
هداية الآية:
من هداية الآية:
١- النعم تبطر صاحبها إذا حرم ولاية الله تعالى.
٢- نصرة الله لأولياءه وإلهامهم الحجة لخصم أعدائهم.
٣-إذا ظلم العبد ووالى الظلم حتى أصبح وصفاً له يحرم هداية الله تعالى فلا يهتدي أبداً.
٤- جواز المجادلة والمناظرة في إثبات العقيدة الصحيحة السليمة.
﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩) ﴾
شرح الكلمات:
﴿قَرْيَةٍ﴾ ١: مدينة لم يذكر الله تعالى اسمها فلا يبحث عنها لعدم جدوى معرفتها.
﴿خَاوِيَةٌ﴾ : فارغة من سكانها ساقطة٢ عروشها على مبانيها وجدرانها.
﴿أَنَّى يُحْيِي﴾ : كيف يحيي٣.
٢ العريش: سقف البيت، وجمعه: عروش، وهو كل ما يهيأ ليظل أو يكن من ينزل تحته، ومنه عريش الدالية، أي شجرة العنب، إذ يعرش لها عريش تمد عليه أغصانها لتتدلى منه عناقيدها.
٣ اختلف فيمن هو المار على القرية، هل هو عزيز أو إرميا، أو الخضر، وأرجح الأقوال إنه عزيز، وما دام الله ورسوله لم يذكرا اسمه فلا داعي إلى ذكره، والتعرف إليه، ولذا لم أذكره في التفسير.

﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ : بعد خوائها وسقوطها على عروشها.
﴿لَبِثْتَ﴾ : مكثت وأقمت.
﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ١﴾ : لم يتغير بمر السنين عليه.
﴿آيَةً﴾ : علامة على قدرة الله على بعث الناس أحياء يوم القيامة.
﴿نُنْشِزُهَا﴾ : في قراءة ورش: ننشرها، بمعنى: نحييها بعد موتها. وننشزها: نرفعها ونجمعها لتكون حماراً كما كانت.
معنى الآية:
هذا مثل آخر معطوف على الأول الذي تجلت فيه على حقيقتها ولاية الله لإبراهيم حيث أيده بالحجة القاطعة ونصره على عدوه النمرود، قال تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ فارغة من سكانها ساقطة سقوفها على مبانيها فقال المار بها مستبعداً حياتها مرة ثانية: كيف يحيي الله هذه القرية بعد خرابها؟ فأماته الله مائة عام ثم أحياه، وسأله: كم لبتث؟ قال: حسب عادة من نام في يوم واستيقظ فيه، فإنه يرى أنه نام يوماً أو بعض يوم، فأجابه مصوباً له فهمه: ﴿بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ﴾، ولكي تقتنع بما أخبرت به، فانظر إلى طعامك وكان سلة من تين وشرابك وكان عصيراً من عنب فإنه لم يتغير طعمه ولا لونه، وقد مر عليه قرن من الزمن، وانظر إلى حمارك فإنه هلك بمرور الزمن ولم يبقى منه إلا عظامه تلوح بيضاء فهذا دليل قاطع على موته وفناؤه لمرور مائة سنة عليه، وانظر إلى العظام كيف نجمعها ونكسوها لحماً فإذا هي حمارك الذي كنت تركبه من مائة سنة، ونمت وتركته إلى جانبك يرتع، وتجلت قدرة الله تعالى في عدم تغير الذي جرت العادة أنه يتغير في ظرف يوم واحد، وهو سلة التين وشراب العصير. وفي تغير الذي جرت العادة أنه لا يتغير إلا في عشرات الأعوام، وهو الحمار. كما هي ظاهرة في موت صاحبهما وحياته بعد لبثه على وجه الأرض ميتاً لم يعثر عليه أحد طيلة مائة عام. وقال له الرب تبارك وتعالى بعد أن وقفه على مظاهر قدرته فعلنا هذا بك لنريك٢ قدرتنا على إحياء القرية متى أردنا إحياءها ولنجعلك في قصتك هذه آية للناس،
٢ قوله تعالى: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ﴾ قيل: الواو مقحمة، والأًصل: لنجعلك، وعلى أصالة الواو وعدم إقحامها يكون المعنى، أريناك ذلك لتعلم قدرتنا ولنجعلك آية للناس، فالواو عاطفة إذا وهو وظيفتها أي: العطف.

تهديهم إلى الإيمان بنا وتوحيدنا في عبادتنا وقدرتنا على البعث الآخر الذي لا ريب فيه لتجزى كل نفس بما كسبت، وأخيراً لما لاحت أنوار ولاية الله في قلب هذا العبد المؤمن الذي أثار تعجبه خراب القرية فاستبعد حياتها قال: أعلم١ أن الله على كل شيء قدير، فهذا مصداق قوله تعالى: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ٢ إِلَى النُّورِ﴾
هداية الآية
من هداية الآية:
١- جواز طروء استبعاد ما يؤمن به العبد أنه حق وكائن، كما استبعد هذا المؤمن المار بالقرية حياة القرية مرة أخرى بعد ما شاهد من خرابها وخوائها.
٢- عظيم قدرة الله تعالى بحيث لا يعجزه تعالى شيء وهو على كل شيء قدير.
٣- ثبوت البعث الآخر وتقريره.
٤- ولاية الله تعالى للعبد المؤمن التقي تجلت في إذهاب الظلمة التي ظهرت على قلب المؤمن باستبعاده قدرة الله على إحياء القرية، فأراه الله تعالى من مظاهر قدرته ما صرح في قوله: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠) ﴾
٢ لما قرر تعالى ولايته للذين آمنوا وإنه يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ذكر لذلك ثلاثة أحداث تجلى في كل واحد منها مصداق ما أخبر به، فالأول محاجة النمرود لإبراهيم وإعطاءه تعالى نور العلم الذي أسكت به المجادل الكافر النمرود. والثاني: استبعاد عزيز إحياء الله مدينة القدس بعد تدميرها وتخريبها فأراه الله من آياته ما أذهب عنه ما وجده في نفسه من استبعاد حياة تلك المدينة، والثالث: طلب إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، وقد أراه ذلك فأذهب به ما وجده إبراهيم من التطلع إلى معرفة ذلك.