آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
[الفتح ٤٨/ ١٨] فعمّ وخص، ونفى عنهم الشين والنقص، ووعد كلا منهم الحسنى.
وأما النزاع والاقتتال بين الناس بعد الرسل فكله بقضاء وقدر وإرادة من الله تعالى، ولو شاء خلاف ذلك لكان، ولكنه المستأثر بسرّ الحكمة في ذلك الفعل لما يريد.
الأمر بالإنفاق في سبيل الخير
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)
الإعراب:
لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ قرئ بالرفع بالابتداء، أو على أن يجعل: لا بمعنى ليس، وفِيهِ الخبر، وقرئ بالبناء على الفتح، لأنه معه بمنزلة «خمسة عشر».
البلاغة:
وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ مبتدأ محصور في خبره أي قصر صفة على موصوف، وقد أكدت بالجملة الاسمية وبضمير الفصل، أي: ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ وهو كافر وهُمُ: مبتدأ ثان، والظَّالِمُونَ خبر الثاني، أو أن: هُمُ ضمير فصل، والظَّالِمُونَ: خبر. وقد روى ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ولم يقل: والظالمون هم الكافرون. أي يصبح كل ظالم كافرا، وما أكثر الظلم بين الناس.
المفردات اللغوية:
يَوْمٌ المراد به هنا يوم الحساب لا بَيْعٌ فِيهِ البيع في الأصل: الكسب بأي نوع من أنواع المبادلة أو المعاوضة، والمراد به هنا: لا فداء، فيتدارك المقصّر تقصيره. وَلا خُلَّةٌ أي

صفحة رقم 10

ولا صداقة ولا مودة تنفع وَلا شَفاعَةٌ بغير إذنه يوم القيامة وَالْكافِرُونَ بالله أو بما فرض عليهم، والمراد به في رأي الحسن البصري: تاركو الزكاة، لأن الأمر بالإنفاق هو الإنفاق الواجب، لاتصال الوعيد به وهو أن تاركي الزكاة هم الظالمون، كما قال الزمخشري. والظالمون: هم الذين جحدوا أمر الله أو أنفقوا المال في غير محله المشروع.
المناسبة:
حثت الآيات السابقة على الجهاد بالنفس، وهذه الآية حث على الجهاد بالمال وإنفاقه في سبيل الخير، ليدخر الناس ثواب ذلك عند ربهم، وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا.
التفسير والبيان:
يأمر الله المؤمنين الذين اتصفوا بصفة الإيمان الصادق بالإنفاق في سبيل الله، وذلك يشمل- في رأي ابن جريج وسعيد بن جبير- الزكاة المفروضة والتطوع أو المستحبة، قال ابن عطية: وهذا صحيح، ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال، وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله، ويقوي ذلك في آخر الآية قوله: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي فكافحوهم بالقتال بالأنفس وإنفاق الأموال.
وقوله: مِمَّا رَزَقْناكُمْ يؤكد الحث على الإنفاق، لأنه يدل على أنه لا يطلب إلا بعض ما رزقه الله لعباده.
ويتأكد الأمر أيضا بأنه سيأتي يوم يندم فيه الإنسان ولا يفيده الندم، وهو يوم الجزاء والحساب والثواب والعقاب الذي لا ينفع فيه البديل أو الفداء، ولا الصداقة أو المودة، ولا الشفاعة أو الوساطة أو النسب، يوم تختلف فيه مقاييس الآخرة عن مقاييس الدنيا، وذلك مثل آية أخرى هي: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة ٢/ ٤٨].

صفحة رقم 11

والكافرون وهم كل من كفر بالله أو التاركون للزكاة هم الذين ظلموا أنفسهم، أي فإنهم يقاتلون بالنفس والمال، وإن المنفقين وضعوا المال في غير موضعه، وقد سماهم الله كافرين تهديدا وتغليظا، كما قال: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ [آل عمران ٣/ ٩٧] وإشعارا بأن ترك الزكاة من صفات الكفار، كما قال تعالى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [فصلت ٤١/ ٦- ٧] قال عطاء بن دينار: والحمد لله الذي قال: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ولم يقل:
«والظالمون هم الكافرون».
فقه الحياة أو الأحكام:
تأمر الآية بإنفاق المال في وجوه الخير، سواء أكان بطريق الزكاة المفروضة أم بالصدقات والتطوعات المندوبة، فلكل ثوابه العظيم يوم الآخرة، وفيه تحقيق التضامن والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة، بل إنه السبيل الواجب للحفاظ على عزة الأمة ومكانتها وهيبتها واسترداد حقوقها المغتصبة، وصون كرامتها وحرماتها وديارها، فمن يقصر في ذلك وهو من الأغنياء القادرين على الإنفاق، كان سببا في تدمير أمته وإذلالها، إذ لا بقاء ولا حياة ولا سعادة للأغنياء أنفسهم إذا فتك الثالوث المخيف (وهو المرض والفقر والجهل) في بقية أفراد الأمة. قال ابن عطية: وظاهر هذه الآية: أنها مراد بها جميع وجوه البر من سبيل خير وصلة رحم، ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال، وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين، يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله، ويقوي ذلك قوله في آخر الآية: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي فكافحوهم بالقتال بالأنفس وإنفاق الأموال «١».

(١) البحر المحيط: ٢/ ٢٧٥، طبعة الرياض.

صفحة رقم 12
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية