
بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢) }
شرح الكلمات:
﴿بَرَزُوا لِجَالُوتَ﴾ : ظهروا في ميدان المعركة وجالوت قائد قوات العمالقة.
﴿أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً﴾ : أصبب الصبر في قلوبنا صباً حتى تمتلئ فلم يبقى للخوف والجزع موضع.
﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ : في أرض المعركة حتى لا ننهزم وذلك بتقوية قلوبنا والشد من عزائمنا.
﴿دَاوُدُ﴾ : هو نبي الله ورسوله داود، وكان يومئذ غير نبي١ ولا رسول في جيش طالوت.
﴿وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ : كان ذلك بعد موت شمويل النبي وموت طالوت الملك.
﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ : فعلمه صنعة الدروع، وفهم منطق الطير هو وولده سليمان عليهما السلام.
﴿لَفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ : وذلك بغلبة أهل الشرك على أهل التوحيد، وأهل الكفر على أهل الإيمان.
معنى الآيات:
لما التقى الجيشان جيش الإيمان وجيش الكفر طالب جالوت بالمبارزة فخرج٢ له داود من جيش طالوت فقتله والتحم الجيشان فنصر الله جيش طالوت وكان عدد أفراده ثلاثمائة وأربعة عشر مقاتلاً لا غير لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل بدر: "إنكم على عدة أصحاب طالوت" وكانوا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً فهزم الله جيش الباطل على كثرته ونصر جيش الحق على قلته. وهنا ظهر كوكب داود في الأفق بقتله رأس الشر جالوت فمن الله عليه بالنبوة والملك بعد موت
٢ لم يقص الله تعالى علينا شيئاً عن كيفية قتل داود لجالوت لعدم الفائدة الكبيرة منها، وخلاصتها كما يلي: كان والد داود في جيش طالوت وله ستة أبناء معه، واسمه: إيشا، وكان داود أصغرهم وكان يرعى الغنم، وكان لنبيهم درع وأوحى الله أن من استوت عليه درعه هو الذي يقاتل جالوت فاستوت على داود وقبل البراز، قال طالوت: من قتل جالوت أشاطره ملكي وأزوجه ابنتي وكان داود قد مر بحجر فناداه أن خذني يا داود وقاتل بي فجعله في مخلاته واحتفظ به، فلما برز لجالوت جعل الحجر في مقلاعه وكان رامياً فرمى جالوت فقتله. وهذه بداية أمره عليه السلام.

كل من النبي شمويل والملك طالوت قال تعالى: ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ١ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾.
وختم الله القصة ذات العبر والعظات العظيمة بقوله: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ بالجهاد٢ والقتال، لاستولى أهل الكفر وأفسدوا الأرض بالظلم والشرك والمعاصي، ولكن الله تعالى بتدبيره الحكيم يسلط بعضاً على بعض، ويدفع بعضاً ببعض منة منه وفضلاً. كما قال عز وجل: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
ثم التفت إلى رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال له تقريراً لنبوته وعلو مكانته: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللهِ﴾ التي تقدمت في هذا السياق ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الجهاد الشرعي يشترط له الإمام المبايع بيعة شرعية.
٢- يشترط للولاية الكفاءة وأهم خصائصها العلم، وسلامة العقل والبدن.
٣- جواز التبرك بآثار الأنبياء كعمامة النبي أو ثوبه أو نعله مثلاً.
٤- جواز اختبار أفراد الجيش لمعرفة مدى استعدادهم للقتال والصبر عليه.
٥- فضيلة الإيمان بلقاء الله، وفضيلة الصبر على طاعة الله خاصة في معارك الجهاد في سبيل الله.
٦- بيان الحكمة في مشروعية الجهاد، وهي دفع أهل الكفر والظلم بأهل الإيمان والعدل، لتنتظم الحياة ويعمر الكون.
٢ وفي صحيح الحديث: "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" وفيه معنى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض﴾، وأورد ابن كثير أحاديث في هذا المعنى وضعفها.
* في قول طالوت في رقم ١ من قتل جالوت: أشركه في ملكي وأزوجه ابنتي موجود نظيره في الإسلام. إذ للإمام أن يقول: من جاءني برأس فلان فله كذا، ومن دخل حصن كذا فله كذا وكذا.