آيات من القرآن الكريم

فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ

يجاوز. واختلف الناس في الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ كم كانوا؟ فقال البراء بن عازب: كنا نتحدث أن عدة أهل بدر كعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وفي رواية: وثلاثة عشر رجلا، وما جاوز معه إلا مؤمن، وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه يوم بدر: «أنتم كعدة أصحاب طالوت»، وقال السدي وابن عباس: بل جاوز معه أربعة آلاف رجل، قال ابن عباس: فيهم من شرب، قالا: فلما نظروا إلى جالوت وجنوده قالوا: لا طاقة لنا اليوم، ورجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون، هذا نص قول السدي ومعنى قول ابن عباس، فعلى القول الأول قالت الجملة: لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ، على جهة استكثار العدو. فقال أهل الصلابة منهم والتصميم والاستماتة: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ الآية، وظن لقاء الله على هذا القول يحسن أن يكون ظنا على بابه، أي يظنون أنهم يستشهدون في ذلك اليوم لعزمهم على صدق القتال، كما جرى لعبد الله بن حرام في يوم أحد، ولغيره، وعلى القول الثاني قال كثير من الأربعة الآلاف: لا طاقة لنا على جهة الفشل والفزع من الموت، وانصرفوا عن طالوت، فقال المؤمنون الموقنون بالبعث والرجوع إلى الله وهم عدة أهل بدر: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ والظن على هذا بمعنى اليقين، وهو فيما لم يقع بعد ولا خرج إلى الحس.
قال القاضي أبو محمد: وما روي عن ابن عباس من أن في الأربعة الآلاف من شرب يرد عليه قوله تعالى: هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وأكثر المفسرين على أنه إنما جاوز النهر من لم يشرب إلا غرفة ومن لم يشرب جملة، ثم كانت بصائر هؤلاء مختلفة، فبعض كع وقليل صمم، وقرأ أبي بن كعب «كأين من فئة»، والفئة الجماعة التي يرجع إليها في الشدائد، من قولهم: فاء يفيء إذا رجع، وقد يكون الرجل الواحد فئة تشبيها، والملك فئة الناس، والجبل فئة، والحصن، كل ذلك تشبيه، وفي قولهم رضي الله عنهم: كَمْ مِنْ فِئَةٍ الآية، تحريض بالمثال وحض واستشعار للصبر، واقتداء بمن صدق ربه، و «إذن الله» هنا تمكينه وعلمه، فمجموع ذلك هو الإذن، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بنصره وتأييده.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٠ الى ٢٥١]
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١)
بَرَزُوا معناه: صاروا في البراز وهو الأفيح من الأرض المتسع، و «جالوت» اسم أعجمي معرب، والإفراغ أعظم الصب، كأنه يتضمن عموم المفرغ عليه، والهزم أصله أن يضرب الشيء فيدخل بعضه في بعض، وكذلك الجيش الذي يرد يركب ردعه، ثم قيل في معنى الغلبة: هزم، وكان جالوت أمير العمالقة وملكهم، وكان فيما روي في ثلاثمائة ألف فارس.
وروي في قصة داود وقتله جالوت، أن أصحاب طالوت كان فيهم إخوة داود وهم بنو إيشى، وكان داود صغيرا يرعى غنما لأبيه، فلما حضرت الحرب قال في نفسه: لأذهبن لرؤية هذه الحرب، فلما نهض

صفحة رقم 336

مر في طريقه بحجر فناداه: يا داود، خذني فبي تقتل جالوت، ثم ناداه حجر آخر، ثم آخر، ثم آخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار، فلما حضر الناس، خرج جالوت يطلب مبارزا فكع الناس عنه حتى قال طالوت:
من يبرز له ويقتله فأنا أزوجه بنتي وأحكمه في مالي، فجاء داود، فقال: أنا أبرز له وأقتله، فقال له طالوت:
فاركب فرسي، وخذ سلاحي، ففعل، وخرج في أحسن شكة فلما مشى قليلا رجع. فقال الناس: جبن الفتى، فقال داود: إن الله إن لم يقتله لي ويعني عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح، ولكني أحب أن أقاتله على عادتي.
قال: وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع، فنزل وأخذ مخلاته فتقلدها وأخذ مقلاعه، وخرج إلى جالوت وهو شاك في سلاحه، فقال له جالوت: أنت يا فتى تخرج إليّ، قال: نعم. قال: هكذا كما يخرج إلى الكلب. قال: نعم وأنت أهون. قال: لأطعمن اليوم لحمك الطير والسباع، ثم تدانيا فأدار داود مقلاعه، وأدخل يده إلى الحجارة فروي أنها التأمت فصارت حجرا واحدا فأخذه فوضعه في المقلاع وسمى الله وأداره ورماه فأصاب به رأس جالوت فقتله، وحز رأسه وجعله في مخلاته واختلط الناس وحمل أصحاب طالوت وكانت الهزيمة، ثم إن داود جاء يطلب شرطه من طالوت، فقال له: إن بنات الملوك لهن غرائب من المهر، ولا بد لك من قتل مائتين من هؤلاء الجراجمة الذين يؤذون الناس، وتجيئني بغلفهم وطمع طالوت أن يعرض داود للقتل بهذه النزعة فقتل داود منهم مائتين، وجاء بذلك وطلب امرأته فدفعها إليه طالوت، وعظم أمر داود، فيروى أن طالوت تخلى له عن الملك وصار هو الملك، ويروى أن بني إسرائيل غلبت طالوت على ذلك بسبب أن داود قتل جالوت، وكان سبب الفتح، وروي أن طالوت أخاف داود حتى هرب منه فكان في جبل إلى أن مات طالوت فذهبت بنو إسرائيل إلى داود فملكته أمرها، وروي أن نبي الله سمويل أوحى الله إليه أن يذهب إلى إيشى ويسأله أن يعرض عليه بنيه فيدهن الذي يشار إليه بدهن القدس ويجعله ملك بني إسرائيل. والله أعلم أي ذلك كان، غير أنه يقطع من ألفاظ الآية على أن داود صار ملك بني إسرائيل. وقد روي في صدر هذه القصة: أن داود كان يسير في مطبخة طالوت ثم كلمه حجر فأخذه فكان ذلك سبب قتله جالوت ومملكته، وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية، وذلك كله لين الأسانيد، فلذلك انتقيت منه ما تنفك به الآية وتعلم به مناقل النازلة واختصرت سائر ذلك، وأما الحكمة التي آتاه الله فهي النبوة والزبور وقال السدي: آتاه الله ملك طالوت ونبوة شمعون والذي علمه هي صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع علمه صلى الله عليه وسلم.
قوله عز وجل:
وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ...
أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لولا دفعه بالمؤمنين في صدور الكفرة على مر الدهر لَفَسَدَتِ

صفحة رقم 337
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية