قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ، وَهُوَ خَبَرٌ، وَالْمُبْتَدَأُ «تَرَبُّصُ». وَعَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ هُوَ فِعْلٌ وَفَاعِلٌ.
وَأَمَّا (مِنْ) فَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِيُؤْلُونَ يُقَالُ آلَى مِنَ امْرَأَتِهِ وَعَلَى امْرَأَتِهِ وَقِيلَ: الْأَصْلُ عَلَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ مِنْ مَقَامَ عَلَى، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَعَلَّقُ مِنْ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، وَإِضَافَةُ التَّرَبُّصِ إِلَى الْأَشْهُرِ إِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ فِيهِ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى السَّعَةِ وَالْأَلِفُ فِي: فَاءُوا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ لِقَوْلِكَ فَاءَ يَفِي فَيْئَةً.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ) : أَيْ عَلَى الطَّلَاقِ، فَلَمَّا حُذِفَ الْحَرْفُ نُصِبَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَ عَزَمَ عَلَى نَوَى فَعَدَّاهُ بِغَيْرِ حَرْفٍ، وَالطَّلَاقُ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ التَّطْلِيقُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ) : قِيلَ: لَفْظُهُ خَبَرٌ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ ; أَيْ لَيَتَرَبَّصْنَ.
وَقِيلَ: هُوَ عَلَى بَابِهِ، وَالْمَعْنَى: وَحُكْمُ الْمُطَلَّقَاتِ أَنْ يَتَرَبَّصْنَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَانْتِصَابُ ثَلَاثَةٍ هُنَا عَلَى الظَّرْفِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ عَدَدٍ أُضِيفَ إِلَى زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ. وَ (قُرُوءٍ) : جَمْعُ كَثْرَةٍ، وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ قِلَّةٍ فَكَانَ الْوَجْهُ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ،
وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ ; فَقِيلَ: وَضَعَ جَمْعَ الْكَثْرَةِ فِي مَوْضِعِ جَمْعِ الْقِلَّةِ.
وَقِيلَ: لَمَّا جَمَعَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ أَتَى بِلَفْظِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ ; لِأَنَّ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَةً.
وَقِيلَ: التَّفْسِيرُ: ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ مِنْ قُرُوءٍ. وَاحِدُ الْقُرُوءِ قُرْءٌ، وَقُرِئَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ.
(مَا خَلَقَ اللَّهُ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَأَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ خَلَقَهُ اللَّهُ. (فِي أَرْحَامِهِنَّ) : يَتَعَلَّقُ بِخَلَقَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَحْذُوفِ، وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّ وَقْتَ خَلْقِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَتِمَّ خَلْقُهُ (وَبُعُولَتُهُنَّ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ التَّاءِ، وَأَسْكَنَهَا بَعْضُ الشُّذَّاذِ، وَوَجْهُهَا أَنَّهُ حَذَفَ الْإِعْرَابَ ; لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْمُتَّصِلِ نَحْوَ عَضُدٍ وَعَجُزٍ.
(فِي ذَلِكَ) : قِيلَ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الْعِدَّةِ فَعَلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَقُّ ; أَيْ يَسْتَحِقُّ رَجْعَتَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَرُدَّهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا يَرُدُّهَا فِي النِّكَاحِ أَوْ إِلَى النِّكَاحِ.
وَقِيلَ: ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ النِّكَاحِ فَتَكُونُ «فِي» مُتَعَلِّقَةً بِالرَّدِّ.
(بِالْمَعْرُوفِ) : يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْبَاءُ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي قَوْلِهِ «وَلَهُنَّ» أَيِ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لِمِثْلُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّفْ بِالْإِضَافَةِ.
(وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) : دَرَجَةٌ مُبْتَدَأٌ، وَلِلرِّجَالِ الْخَبَرُ. عَلَيْهِنَّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالِاسْتِقْرَارِ فِي اللَّامِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ نَصْبٍ حَالًا مِنَ الدَّرَجَةِ ; وَالتَّقْدِيرُ: دَرَجَةٌ كَائِنَةٌ عَلَيْهِنَّ، فَلَمَّا قَدَّمَ وَصْفَ النَّكِرَةِ عَلَيْهَا صَارَ حَالًا.
وَيَضْعُفُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِنَّ الْخَبَرُ، وَلَهُنَّ حَالٌ مِنْ دَرَجَةٍ ; لِأَنَّ الْعَامِلَ حِينَئِذٍ مَعْنَوِيٌّ، وَالْحَالُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ.