آيات من القرآن الكريم

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ

وقال مجاهد: التوابين من الذنوب، والمتطهرين من أدبار النساء (١). سعيد بن جبير: التوابين من الشرك، والمتطهرين من الذنوب (٢). أبو العالية: التوابين من الكفر، والمتطهرين بالإيمان (٣) ابن جريج: التوابين من الذنوب لا يعودون فيها، والمتطهرين منها لم يصيبوها (٤).
٢٢٣ - قوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ الآية، قال ابن عباس: جاء عمر - رضي الله عنه - إلى رسول الله - ﷺ -، فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: "فما الذي أهلكك؟ " قال: حَوَّلْتُ رَحْلِيَ البارحة، فلم يرد عليه شيئًا، وأوحي إليه: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ (٥).
وقال الحسن (٦) وقتادة (٧) والمقاتلان (٨) والكلبي (٩): تذاكر المسلمون واليهود إتيان (١٠) النساء، فقال المسلمون: إنا نأتيهن باركاتٍ وقائماتٍ

(١) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٩١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٣.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٩، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٥٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٤٩.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٩، وفي "البحر المحيط" ٢/ ١٦٩.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٩١، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٩.
(٥) الحديث رواه الترمذي (٢٩٨٠) كتاب التفسير، باب: ومن سورة البقرة وقال: حسن غريب، والنسائي في "تفسيره" ١/ ٢٥٦، وأحمد ١/ ٢٩٧، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٩٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٥، والبيهقي في "سننه" ٧/ ١٩٨، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٦٢ وغيرهم.
(٦) رواه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٣٢، والدارمي في "سننه" ١/ ٢٥٧.
(٧) عزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٥٦٠، والسيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٤٦٧ - ٤٦٨ إلى عبد بن حميد، وذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٧١.
(٨) "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٢، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧١.
(٩) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٧١، والواحدي في "أسباب النزول" ص٨٠.
(١٠) في (أ): (آيتان).

صفحة رقم 180

ومستلقياتٍ ومن بين أيديهن وأرجلهن، بعد أن يكون المأتى واحدًا، فقالت اليهود: ما أنتم إلا أمثال البهائم، لكنا نأتيها على هيئة واحدة، وإنا لنجد في التوراة: أن كل إتيان يؤتى النساء غير الاستلقاء دنس عند الله، ومنه يكون الحول والحَبْل، فذكر المسلمون ذلك لرسول الله - ﷺ -، فأكذب الله عز وجل اليهود، وأنزل يرخص (١) لهم ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾. أي: مَزْرَعٌ ومَنْبَتٌ للولد (٢)، وأراد به المُحْتَرَثَ والمُزْدَرَع، ولكنهن لما كُنَّ من أسباب الحرث جُعلن حَرْثًا، ولهذا وُحِّد (٣) الحرث؛ لأنه مصدر.
وقال أهل العربية: معناه: ذواتُ حرثٍ لكم، فيهن تحرثون الولد (٤)، فحذف المضاف، وقيل: أراد: كحرثٍ لكم، كقوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا﴾ (٥) [الكهف: ٩٦].
أي: كنار (٦)، وكَقَولِ الشاعر:

النَّشْرُ مِسْكٌ والوجوهُ دنا نير وأطرافُ الأكفِّ عَنَم (٧) (٨)
(١) في (م) (ترخص).
(٢) في (م) (للوالد).
(٣) في (م) (ي) (ش) (وحد).
(٤) في (م) زيادة (الولد والفدة وقال الأزهري) حرث الرجل امرأته وأنشد وهو تكرار.
(٥) (حتى) ساقطة من (ي).
(٦) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٦ - ٩٧٧، وينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٧٠، وذكر وجها ثالثا، قال: ويحتمل أن يكون حرث لكم بمعنى محروثة لكم، فيكون من باب إطلاق المصدر ويراد به اسم المفعول.
(٧) في (ي)، (ش) (غنم).
(٨) البيت للمرقش الأكبر في "ديوانه" ص ٥٨٦، وفيه: وأطراف البنان. "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٧ "تاج العروس" ٧/ ٥٢٤، "لسان العرب" ٧/ ٤٤٢٢ "نشر"، ينظر: "المعجم المفصل في شواهد العربية" ٧/ ٣٠ - ٣١.

صفحة رقم 181

وقال الزجاج: زعم أبو عبيدة أنه كناية (١)، قال: والقول عندي فيه: أن نساءكم حرث لكم، فيهن تحرثون الولد واللذة (٢). وقال الأزهري: حَرْثُ الرجل: امرأتُه، وأنشد المبرد:

إذا أكل الجَرادُ حُرُوثَ قومٍ فَحَرْثِي هَمُّهُ أَكْلُ الجَرَادِ (٣)
يعني: امرأته (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ أي: كيف شئتم (٥)، ومن أين شئتم، بعد أن يكون في صمام واحد. ﴿أَنَّى﴾ شِئْتُمْ معناه من أين، يدل عليه الجواب، نحو قوله تعالى: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٣٧] (٦).
وقال الزجاج: أي ايتوا مواضع (٧) حرثكم كيف شئتم مقبلة ومدبرة (٨).
(١) "مجاز القرآن" ١/ ٧٣.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨.
(٣) البيت بلا نسبة في "تهذيب اللغة" ١/ ٧٧٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٧، لكنه قال: قال المفضل بن سلمة أنشدني أبي "لسان العرب" ٢/ ٨٢٠، "تهذيب اللغة" ١/ ٧٧٥، "تاج العروس" ٣/ ١٩٤ [مادة حرث]، "أساس البلاغة"، [مادة: حرث] "البحر المحيط" ١/ ١٧٠. "المعجم المفصل" ٢/ ٣٢٨.
(٤) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٧٥، والكلام فيه منقول عن ابن الأعرابي.
(٥) ساقطة من (أ) و (م).
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤٤، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٣، "البحر المحيط" ١/ ١٧٠.
(٧) في (ش) و (ي): (موضع).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨.

صفحة رقم 182

والآية لا تدل على جواز (١) الإتيان في الموضع المكروه؛ لأنها نزلت تكذيبًا لليهود، ونسخًا لشرعهم إن صدقوا فيما ادعوا، أو إباحة للإتيان في القبل من أي (٢) وجه كان، ولأن الله تعالى ذكر لفظ الحرث والقبل محل النسل (٣) والحرث لا الدبر، فعلم أن المراد بالآية إباحة الجماع إذا كان في الفرج على كل جهة، والأخبار شائعة في تحريم أدبار النساء (٤).
وقوله تعالى: ﴿لِأَنْفُسِكُمْ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد العمل لله بما يحب ويرضى (٥)، وهو قول السدي (٦)
والكلبي (٧)، واختيار الزجاج؛ لأنه قال: معناه: قدموا طاعته واتباع أمره، فمن اتبع ما أمر الله به فقد قدم لنفسه خيرًا (٨)، يحض على العمل بالواجب الذي أمروا.
وقال بعض المفسرين: يعني: ابتغاء الولد والنسل (٩)، وذلك أن

(١) في (ي): (جواب).
(٢) في (ش): (كل).
(٣) في (ي): (للنسل).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٩ - ١٠٠٠، " المحرر الوجيز" ٢/ ٢٥٦، "التفسير الكبير" ٦/ ٧٦، "تفسير القرطبي" ٣/ ٩٦، "البحر المحيط" ٢/ ١٧٠ - ١٧١.
(٥) تقدم الحديث عن هذه الرواية في المقدمة. وذكره في "زاد المسير" عنه ١/ ٢٥٣ برواية أبى صالح، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٢٩.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٩٩ بمعناه، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٦.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠٦، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٦٢.
(٨) "معانى القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨.
(٩) قال به عكرمة كما رواه ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٥، وقدمه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠١، وينظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٧٧، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ١٨٦.

صفحة رقم 183
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية