آيات من القرآن الكريم

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

حيث روى الطبراني عن أنس بن مالك قال: «قالت أمّ سليم يا رسول الله اخرج معك إلى الغزو؟ قال: يا أمّ سليم، إنّه لم يكتب على النساء الجهاد. قالت: أداوي الجرحى وأعالج العين وأسقي الماء، قال: نعم إذا». والحديث ليس من الصحاح ولقد ورد في كتب الأحاديث الصحيحة أحاديث عديدة كما روت روايات السيرة والتاريخ روايات عديدة تذكر أن النساء المسلمات في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم وبعده كن يذهبن مع الرجال فيحملن للمقاتلين الماء والزاد ويداوين الجرحى والمرضى ويحملن أحيانا السلاح ويقاتلن فإذا صح حديث الطبراني فيكون في صدد فرضية القتال واختصاص ذلك بالرجال دون النساء فرضا وتكليفا وليس فيه ما يمنع تطوع المرأة المسلمة في مختلف الأساليب الجهادية وقد كان ذلك فعلا في مختلف أدوار التاريخ الإسلامي في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم وبعده والله أعلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٧ الى ٢١٨]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)
. (١) المسجد الحرام: معطوفة على جملة- وصدّ عن سبيل الله- أي وصدّ عن المسجد الحرام.
في الآية الأولى:
١- حكاية لسؤال أورد على النبي صلّى الله عليه وسلّم عما إذا كان يجوز القتال في الشهر الحرام، وأمر بالإجابة بأن القتال فيه خطير وكبير عند الله غير أن الصدّ عن سبيل الله ودعوته والكفر به والصدّ عن المسجد الحرام وإلجاء أهله إلى الخروج منه بالأذى

صفحة رقم 382

والإعنات هما أكبر عند الله من القتال فيه. كما أن الفتنة أي إجبار المسلمين على ترك دينهم بالقوة والأذى هي أكبر عند الله من القتال فيه وكل هذا كان يقع من الكفار في الشهر الحرام.
٢- وتنبيه وجه الخطاب فيه إلى المؤمنين بأن الكفار لن يتوانوا عن قتالهم وإيقاع الأذى عليهم بكل وسيلة وفي كل وقت حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا.
٣- وإنذار لمن يتأثر بهم فيرتدّ عن دينه ويموت كافرا، فأولئك يبطل الله جميع ما عملوه من خير، ويكون مصيرهم الخلود في النار.
وفي الآية الثانية إشارة تنويهية إلى الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، فهؤلاء إنما كانوا يرجون بما فعلوا رحمة الله، وإن الله لمحقق رجاءهم وغافر لما يمكن أن يكون بدر منهم من خطأ لأنه غفور رحيم.
تعليق على الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ... إلخ والآية التالية لها
وقد روى المفسرون «١» أن الآية الأولى نزلت جوابا على دعاية تشويشية قام بها كفار مكة بمناسبة قتال وقع بين سرية أرسلها النبي صلّى الله عليه وسلّم بقيادة عبد الله بن جحش لرصد قافلة قرشية فقتلت بعض رجالها وأسرت بعضهم واستولت على العير.
وادعى كفار قريش أن الحادث وقع في أول رجب حيث كان القتال محرما في الأشهر الحرم التي كان رجب منها وعظيم الخطورة عند العرب فاستغل أولئك الكفار ذلك وصاروا يتساءلون تساءل المستنكر العائب عن الأمر ويقولون إن محمدا وأصحابه يستحلون الشهر الحرام حتى لقد عاتب النبي صلّى الله عليه وسلّم رجال سريته

(١) انظر تفسيرها في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.

صفحة رقم 383

وقال لهم ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فاضطربوا وخافوا فأنزل الله الآية التي فيها الحكم والفرج.
والرواية ذكرت في أقدم كتب السيرة «١» وفي جميع كتب التفسير والتاريخ القديمة وهي متسقة مع فحوى الآية وروحها.
ولقد روى الطبري وغيره أنه لما نزلت الآية الأولى طمع المهاجرون في الأجر فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟
فأنزل الله الآية الثانية. وهذه الرواية لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة. ولسنا نراها متسقة مع فحوى الآية ومقامها ويتبادر لنا أنها نزلت مع الأولى كتعقيب عليها من جهة ودفاع عن رجال السرية من جهة أخرى. فهم إنما أقدموا على ما أقدموا عليه جهادا في سبيل الله ورجاء رحمته ورضوانه. فهم بالثناء والتنويه أحقّ من الملامة والتثريب.
ويظهر أن بعض المسلمين قد تأثروا بدعاية الكفار فاقتضت حكمة التنزيل أن تتضمن الآية الأولى ما تضمنته من تنبيه وإنذار بالإضافة إلى ما تضمنته الآية الثانية من ثناء على رجال السرية وتنويه بهم، واتصال الآيتين موضوعيا بالآية السابقة ظاهر. وهو ما جعل الشيخ محمد عبده يرجح نزول الآيات الثلاث معا على ما ذكرناه قبل قليل.
ولقد انطوى في الجواب الذي احتوته الآية الثانية حملة شديدة على كفار قريش ورد لاذع محكم على ما أثاروه من دعاية. فهم أقل الناس حقا في اللوم والانتقاد. وتصرفاتهم الأثيمة مع المسلمين حينما كانوا في منطقة المسجد الحرام وفي أثناء الأشهر الحرم من أذى وكفر وصدّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وفتنة المسلمين أشدّ وأكبر من القتال في الشهر الحرام الذي يثيرون بسببه الدعاية ويوجهون العيب والانتقاد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.

(١) انظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٤٨ وابن هشام ج ٢ ص ٢٣٨- ٢٤٠.

صفحة رقم 384

والآية الثانية تلهم أن هذه السرية مؤلفة من المهاجرين فقط، وهو متسق مع ما ورد من روايات عديدة عن جميع السرايا التي سيرها النبي صلّى الله عليه وسلّم والغزوات التي قادها قبل وقعة بدر. وهذه السرية كانت آخرها قبل هذه الوقعة «١». فالأنصار اشتركوا لأول مرة في القتال في وقعة بدر وبعد فرض القتال على المسلمين كافة بأسلوب مطلق صريح. أما قبل ذلك فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكلفهم على اعتبار أن الاتفاق بينه وبينهم هو على الدفاع عنه في بلدهم، وأن العداء المبرر للقتال إنما كان بين المهاجرين وقومهم القرشيين.
هذا، وفي الآيتين عظات وتلقينات أخلاقية واجتماعية مستمرة المدى مع ما لهما من خصوصية زمنية:
١- فالدفاع عن حرية الدعوة وردّ البغي والعدوان وقتال البغاة المعتدين في كل ظرف وزمن واجب ومبرر، وبخاصة إذا كان هؤلاء شديدي الأذى والخصومة.
٢- ومن الناس من يتناسى تصرفاته الآثمة الشديدة الأذى والضرر ويندفع في التهويش على الآخرين لأخطاء أخف من جرائمهم فلا ينبغي أن يؤخذ الناس بذلك ويتغافلوا عن سيئات المجرمين وآثامهم.
٣- ومن الناس من يتمسك بالأشكال ويحاول تغليبها على اللباب والجوهر مع أن الواجب الاهتمام بهذه دون تلك.
٤- والمعول هو على مقاصد الناس ونياتهم، فإذا بدا من أناس عمل خالفوا فيه العرف والعادات عن حسن نية ورغبة في الخير وأداء الواجب فينبغي أن لا يلاموا على تلك المخالفة بل لهم حق الثناء والتسامح.
ويضاف إلى هذه العظات والتلقينات ما في الآية الثانية من تنويه مطلق بالذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله رجاء رحمته، حيث ينطوي في ذلك أيضا تلقين مستمر المدى لجميع المسلمين في كل مكان وزمان بالتأسي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم

(١) انظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٤٣- ٤٨.

صفحة رقم 385

وأصحابه (رضي الله عنهم) الذين آمنوا وهجروا وطنهم وتخلّوا عن أموالهم ومساكنهم وعشائرهم وذوي أرحامهم في سبيل الله ودينه رجاء رحمته دون أن يكون لهم من وراء ذلك مأرب خاص إلا نصرة الله وإعلاء كلمته.
حكم المرتد عن دينه من المسلمين
وبمناسبة ما جاء في الآية الأولى من الآيتين من إنذار للذين يرتدون عن دينهم من المؤمنين ويموتون كفارا نقول إن عقوبة هؤلاء لم تبق في الشرع الإسلامي أخروية وحسب فقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تشريع دنيوي واجب الاتباع لأنه مما سكت عنه القرآن من ذلك حديث رواه الخمسة عن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيّب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة» «١». وحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من بدّل دينه فاقتلوه» «٢».
والجمهور على وجوب استتابة المرتدّ وأنه لا يقتل إلّا إذا أبى التوبة وأصرّ على الارتداد وهذا هو الحق والصواب والمتسق مع تلقينات القرآن في صدد التوبة على ما شرحناه في تعليقنا عليها في سورة البروج.
ولقد ذهب الإمام مالك إلى أن الزنادقة لا يستتابون لأنهم إذا تابوا كانوا كاذبين في توبتهم «٣». ونحن نرى الاستتابة واجبة بالنسبة للجميع فالله تعالى هو وحده عالم ما في القلوب ولا يجوز إزهاق النفس بالتخمين مهما كان محتملا.
وليس من سبيل على من يقول إني مسلم وإني تائب بقطع النظر عمّا في قلبه على ما جاء في آية سورة النساء [٩٤] التي سوف يأتي شرحها بعد.
ولقد روى الإمام مالك عن عبد القاري أنه قال: «قدم على عمر بن الخطاب

(١) التاج ج ١ ص ١٧.
(٢) التاج ج ٣ ص ١٧.
(٣) الموطأ ج ٢ ص ١٦٥. [.....]

صفحة رقم 386
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية