
معها إلا التحقيق لأن] (١) الهمزة قد صارت بالوقيفة مضارعة للمبتدأ بها والمبتدأ بها لا يجوز تخفيفها (٢).
٢١ - قوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا اَلنَّاسُ أعبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ الآية. (يا) حرف ينادي به (٣)، ولا تكاد تجد في كلام العرب حرفاً تألف مع اسم فكانا جملة كاملة سوى حرف النداء.
و (أي) (٤) اسم مبهم مبني على الضم، لأنه منادى مفرد، و ﴿النَّاسُ﴾ صفة لأي لازمة، تقول: يا أيها الرجل أقبل، ولا يجوز (٥): يا الرجل، لأن (يا) تنبيه بمنزلة التعريف في الرجل، فلا يجمع بين (يا) وبين الألف واللام (٦). و (ها) لازمة لأي (٧)، وهي عوض من الإضافة في (أي) لأن
(٢) في (ب): (تحقيقها). الكلام لأبي علي كما في "الحجة" ١/ ٣٩١، ويريد حمزة بهذا أن يحقق الهمزة وينطق بها صحيحة، وبقية السبعة على عدم الوقف، لأنه لا يوقف على بعض الاسم دون الإتيان على آخره، ولذلك فالإعراب في آخر الاسم. انظر "الحجة" لابن خالويه ص ٧٢.
(٣) قال أبو حيان: زعم بعضهم: أنها اسم فعل معناها (أنادي). "البحر" ١/ ٩٢، وانظر "الدر المصون" ١/ ١٨٤.
(٤) نقله من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٤.
(٥) في (أ)، (ج): (لا يجوز) بسقوط الواو.
(٦) انظر: "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٣.
(٧) في "المعاني" (للتنبيه) ١/ ٦٤.

الأصل في (أي) أن تكون (١) مضافة في الاستفهام والخبر. والمازني يجيز (٢) في (يا أيها الرجل) النصب في (الرجل) ولا يوافقه على هذا غيره (٣).
قال أبو إسحاق: وقوله قياس؛ لأن موضوع المنادى المفرد نصب، فحمل (٤) صفته على موضعه، وهذا في غير (٥) (يا أيها الرجل) جائز عند جميع النحويين، نحو قولك: (يا زيد الظريفُ والظريفَ) (٦) والنحويون غيره (٧) لا يقولون في هذا إلا الرفع، والعرب لغتها في هذا الرفع، لأن المنادي في الحقيقة (الرجل) و (أي) وصلة له (٨). وذلك أنهم لما أرادوا نداء
(٢) في (أ)، (ج): (تخير) واخترت ما في (ب) لأنه أصح وموافق لما في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٤.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٤، وحذف الواحدي بعض كلام الزجاج ونص عبارة الزجاج: (وزعم سيبويه عن الخليل أن المنادي المفرد مبني، وصفته مرفوعة رفعاً صحيحاً لأن النداء يطرد في كل اسم مفرد، فلما كانت البنية مطردة في المفرد خاصة، شبه المرفوع فرفعت صفته، والمازني يجيز في (يا أيها الرجل) النصب في (الرجل) ولم يقل بهذا القول أحد من البصريين غيره). وانظر "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦٢ "الإملاء" ١/ ٢٣، قال العبكري -بعد أن ذكر قول المازني-: وهو ضعيف. وقد رد الزجاج نفسه هذا القول في موضوع آخر فقال: (فهذا مطروح مرذول). انظر "معاني القرآن" ١/ ٢١١.
(٤) في "المعاني" (فحملت) وفي الهامش: (في الأصل) (فحمل) أي: (المازني) "معاني القرآن" ١/ ٦٤.
(٥) في (ب): (غيره).
(٦) (الظريف) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (في غيره). والمعنى: النحويون غير المازني.
(٨) انتهى كلام الزجاج. "معاني القرآن" ١/ ٦٤، ٦٥، نقله بتصرف.

ما فيه لام التعريف، ولم يمكنهم أن يباشروه بـ (يا) لما فيها من التعريف والإشارة توصلوا إلى ذلك بإدخال (أي) بينهما فقالوا: يا أيها الرجل، والمقصود بالنداء هو الرجل، و (أي) وصلة له (١). ولأن (أيا) وإن كان اسما منادى مفردا فهو ناقص، والنصب بالحمل على الموضوع إنما يجوز بعد تمام الاسم (٢). و ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ عموم في كل مكلف من مؤمن وكافر (٣). ويروى عن الحسن وعلقمة (٤). أن ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ خطاب أهل مكة، و ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خطاب أهل المدينة (٥).
(٢) وعليه فلا يجوز النصب (للناس) حملا على الموضع كما سبق، انظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٤٧، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦٢، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٣، "البحر المحيط" ١/ ٩٤، "الدر المصون" ١/ ١٨٥.
(٣) انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٦٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٥ ب، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠١.
(٤) الإمام الحافظ، أبو شبل، علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، لازم ابن مسعود حتى رأس في العلم، وحدث عن عدد من الصحابة، اختلف في سنة وفاته. فقيل سنة إحدى وستين وقيل: خمس وستين، وقيل: غير ذلك. انظر "تاريخ بغداد" ١٣/ ٢٩٦، "حلية الأولياء" ٢/ ٦٨، "سير أعلام النبلاء" ٤/ ٥٣.
(٥) أخرجه الواحدي بسنده في كتابه "أسباب نزول القرآن" عن علقمة، ص ٢٦، وذكره في (الوسيط) ١/ ٥٣، وذكره السيوطي في "الدر" وغزاه لأبي عبيد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن الضريس وابن المنذر، وأبي الشيخ أبن حيان في "التفسير". وورد في "الدر" نحوه عن ابن مسعود، والضحاك، وميمون بن مهران، وعروة وعكرمة. "الدر" ١/ ٧٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" عن ابن عباس ١/ ٥٦، وابن عطية عن مجاهد، وقال: وقد يجيء في المدني ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وأما ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فصحيح. "تفسير ابن عطية" ١/ ١٧٩، ونحوه قال "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٩٤، وانظر "البرهان" ١/ ١٨٩ - ١٩٠.

وقوله تعالى: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ أي اخضعوا له بالطاعة، ولا يجوز ذلك إلا لمالك الأعيان (١).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾. (الخلق): ابتداع شيء لم يسبق إليه (٢). وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه (٣). والعرب تقول: خلقت الأديم إذا قدرته (٤). لتقطع منه مزادة أو قِرْبةً أو خُفًّا (٥). قال زهير:
وَلَأنْتَ تَفْرِي (٦) ما خَلَقْتَ وَبَعْـ | ـضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْري (٧) |
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (خلق) ١/ ١٠٩٣.
(٣) انظر: كتاب "الزينة" ٢/ ٥٢، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" ١/ ١٠١، ١٠٢، (رسالة ماجستير).
(٤) في (ب): (قدته).
(٥) "تهذيب اللغة" (خلق)، ١/ ١٠٩٣.
(٦) في (ب): (تقوى).
(٧) في (ب): (لا يقوى). ورد البيت في "الكتاب" ٤/ ١٨٥، "الزاهر" ١/ ١٨٤، "الجمهرة" ٢/ ٢٤٠، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص ٣٦، "اشتقاق أسماء الله" ص ١٦٦، "إعراب ثلاثين سورة" ص ٤٥، "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ٢٩٢، "تأويل مشكل القرآن" ص ٥٠٧، "تهذيب اللغة" (خلق) ١/ ١٠٩٣، "معجم مقاييس اللغة" (خلق) ٢/ ٢١٤، (فرى) ٤/ ٤٩٧، "البحر" ١/ ٩٣، "القرطبي" ١/ ١٩٥، "ديوان زهير" ص ٩٤. ومعناه: أنت مضاء العزيمة، وغيرك ليس بماضي العزم.

غيره] (١) على سبيل الاستعارة والتقدير (٢).
ومعنى الآية: أن الله تعالى احتج على العرب بأنه خالقهم وخالق من قبلهم، لأنهم كانوا مُقِرّين بأنه خالقهم، والدليل على ذلك قوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]، فقيل لهم: إذ (٣) كنتم معترفين بأنه خالقكم فاعبدوه ولا تعبدوا الأصنام، فإن عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوقين من الأصنام (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. قال ابن الأنباري: (لعل) يكون (٥): ترجياً، ويكون بمعنى: (كي)، ويكون: ظناً كقولك: لعلي أحج العام، معناه: أظنني سأحج (٦).
وقال يونس (٧): (لعل) يأتي في كلام العرب بمعنى: (كي)، من
(٢) انظر: كتاب "الزينة" ٢/ ٥٣، ٥٢، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" ١/ ١٠١، ١٠٢، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص ٣٥، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ١٦٦، "معجم مقاييس اللغة" (خلق) ٢/ ٢١٤، "الجمهرة" (خ ق ل) ١/ ٦١٩، "تهذيب اللغة"، خلق١/ ١٠٩٣، "مفردات الراغب" ص ١٥٧.
(٣) كذا وردت في جميع النسخ، ولعلها (إذا).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٦٠، "القرطبي" ١/ ١٩٥.
(٥) في (ب): (تكون) في المواضع الثلاثة.
(٦) ذكره الأزهري حيث قال: (وأثبت عن ابن الأنباري...) ثم ذكر لها خمسة وجوه، ذكر الواحدي منها ثلاثة، والرابع: بمعنى: (عسى)، والخاص: بمعنى: (الاستفهام)، "تهذيب اللغة" (عل) ٣/ ٢٥٥٣.
(٧) ذكره الأزهري بسنده قال: (أخبرني المنذري عن الحسين بن فهم أن محمد بن سلام أخبره عن يونس..)، "تهذيب اللغة" (عل) ٣/ ٢٥٥٣. ويونس: هو يونس بن حبيب أو عبد الرحمن الضبي بالولاء، كان النحو يغلب عليه، أخذ عن أبي عمرو بن =

ذلك (١) قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (٢) و ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (٣) ويقول (٤): (أعرني دابتك لعلي أركبها) بمعنى (كي).
قال (٥): وتقول (٦): انطلق بنا لعلنا نتحدث، أي: كي نتحدث (٧). ومثل هذا قال قطرب في (لعل) (٨).
وقال سيبويه: (لعل) كلمة ترجية وتطميع للمخاطبين (٩). أي كونوا على رجاء وطمع أن تتقوا بعبادتكم عقوبة الله أن تحل بكم (١٠)، كما قال
(١) في (ب): (من قولك).
(٢) الآية: ٢١، ١٧٩، ٦٣، ١٨٣ من سورة البقرة، و١٧١ من سورة الأعراف. وفي "تهذيب اللغة" (لعلهم يتقون).
(٣) (لعلهم يذكرون) جزء من آية في الأعراف: ٢٦، ١٣٠، وفي الأنفال: ٥٧. وفي (ب): (لعلكم تذكرون) وكذا في "تهذيب اللغة"، وهي جزء من آية في الأنعام: ١٥٢، والأعراف: ٥٧ والنحل: ٩٠، والنور: ١، ٢٧، والذاريات ٤٩.
(٤) كذا وردت في (أ)، (ج)، وفي (ب) بدون نقط، وفي "تهذيب اللغة" (كقولك) والأولى (تقول).
(٥) (قال) ساقط من (ب).
(٦) في (أ)، (ج): (ويقول) وأثبت ما في (ب).
(٧) آخر ما نقله الواحدي من كلام يونس، وانظر بقية كلامه في "تهذيب اللغة" (عل) ٣/ ٢٥٥٣، وانظر معاني (لعل) في "الأزهية في علم الحروف" للهوري ص ٢١٧، "مغني اللبيب" ١/ ٢٨٧.
(٨) قال أبو حيان لا تكون بمعنى (كي) خلافا لقطرب وابن كيسان. "البحر" ١/ ٩٣،
(٩) في "الكتاب": فإذا قلت: (لعل) فأنت ترجوه أو تخافه في حال ذهابه ٢/ ١٤٨، وقال: (لعل وعسى طمع واشفاق) ٤/ ٢٣٣. وانظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٦ ب.
(١٠) فتكون لعل على بابها للترجي، كما هو رأي سيبويه، وبعض المفسرين يقول: إذا =