آيات من القرآن الكريم

فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٠ الى ٢٠٢]

فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢)
وقوله تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ/... الآية.
قال مجاهد: المناسكُ: الذبائحُ، وهي إِراقة الدِّماء «١».
ع «٢» : والمناسكُ عندي العباداتُ في معالمِ الحجِّ، ومواضع النسك فيه.
والمعنى: إِذا فرغتُمْ من حجِّكم الذي هو الوقوفُ بعرفة، فاذكروا اللَّه بمحامده، وأثْنُوا عليه بآلائه عندكم، وكانت عادَةُ العَرَبِ، إِذا قَضَتْ حجَّها، تقفُ عند الجَمْرة تتفاخَرُ بالآباء، وتذكر أيام أسلافها من بَسَالةٍ، وكَرَم، وغير ذلك، فنزلَتِ الآية، أنْ يُلْزِموا أنفسهم ذكر الله تعالى أكثر من التزامهم ذكر آبائهم بأيامِ الجاهلية، هذا قول جمهور المفسِّرين «٣».
وقال ابن عبَّاس، وعطاء: معنى الآيةِ: واذكروا اللَّه كذكر الأطفال آباءهم، وأمهاتهمْ، أي: فاستغيثوا به، والْجئوا إِليه «٤».
قال النوويُّ في «حليته» «٥» : والمرادُ من الذِّكْر حضورُ القَلْب، فينبغي أن يكون هو مقصودَ الذاكر، فيحرص على تحصيله، ويتدبَّر ما يذكر، ويتعقَّل معناه، فالتدبُّر في الذكْر مطلوبٌ كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنَى المقصود، ولهذا كان المذهبُ الصحيحُ المختارُ استحبابَ مَدِّ الذاكرِ قوله: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»، لما فيه من التدبُّر، وأقوالُ السلفِ، وأئمةِ الخَلَف في هذا مشهورةٌ. انتهى.
قال الشيخُ العارفُ أبو عبد اللَّه محمَّد بن أحمد الأنصاريُّ الساحليُّ المَالقِيُّ: ومنفعةُ الذكْرِ أبداً إِنما هي تَتْبع معناه بالفكْرِ ليقتبس الذاكِرُ من ذُكْرِهِ أنوار المعرفة، ويحصل على
(١) أخرجه الطبري (٢/ ٣٠٧) رقم (٣٨٤٨)، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٤١٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد.
(٢) «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٦).
(٣) ينظر: «معاني الزجاج» (١/ ٢٦٢)، و «الرازي» (٥/ ١٨٣)، و «الدر» (١/ ٢٣٢)، و «الوسيط» (١/ ٣٠٦). [.....]
(٤) أخرجه الطبري (٢/ ٣٠٩) برقم (٣٨٦٧)، وذكره البغوي (١/ ١٧٦)، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٤١٧).
(٥) «حلية النووي» (ص ٤٠).

صفحة رقم 423

اللُّبِّ المراد، ولا خير في ذِكْرٍ مع قَلْبٍ غافلٍ ساهٍ، ولا مع تضْييعِ شيءٍ من رسوم الشرعِ، وقال في موضعٍ آخر من هذا الكتاب الذي ألَّفه في «السُّلوك» : ولا مَطْمع للذَّاكر في دَرْكِ حقائقِ الذِّكْرِ إِلا بإِعمال الفكْر فيما تحْت ألفاظ الذكْر من المعانِي، وليدفع خَطَرات نفْسه عن باطنه راجِعاً إِلى مقتضى ذكْره حتى يغلب معنى الذكْر على قلبه، وقد آن له أنْ يدخل في دائرة أهْل المحاضَرَات. انتهى.
وقوله تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا... الآية: قال أبو وائلٍ وغيره: كانت عادتهم في الجاهلية الدُّعَاءَ في مصالحِ الدنْيا فقطْ إذ كانوا لا يعرفون الآخرةَ، فَنُهُوا عن ذلك الدعاءِ المخصوصِ بأمر الدنيا، وجاء النهْيُ في صيغة الخبر عنه، والخَلاَقُ: الحظُّ، والنصيبُ «١».
قال الحسنُ بْنُ أبي الحَسَن: حَسَنَةُ الدنيا: العلْمُ والعبَادة «٢».
ع «٣» : واللفظ أَعمُّ من هذا، وحَسَنةُ الآخِرة الجنَّة بإِجماع، وعن أنس: قال:
كان أكثر دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» رواه البخاريُّ ومسلم وغيرهما «٤»، زاد مسلمٌ: «وكَانَ أَنَسٌ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ». انتهى.
أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وعْدٌ على كسْب الأعمال الصالحة، والربُّ سبحانه سريعُ الحسابِ لأنه لا يحتاجُ إِلى عقْد، ولا إِعمال فكْر، قيل لعليٍّ- رضي اللَّه عنه-:
كيف يحاسِبُ اللَّه الخلائِقَ في يَوْمٍ، فقال: كما يَرْزُقُهُمْ فِي يومٍ، وقيل: الحسابُ هنا:
المجازاتُ.
وقيل: معنى الآية: سريعُ مجيءِ يومِ الحسابِ، فيكون المقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة.

(١) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٦).
(٢) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٦).
(٣) «المحرر الوجيز» (١/ ٢٧٧).
(٤) أخرجه البخاري (١١/ ١٩٥)، كتاب «الدعوات»، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة» حديث (٦٣٨٩)، ومسلم (٤/ ٢٠٧٠- ٢٠٧١) كتاب «الذكر والدعاء»، باب فضل الدعاء بأللهم آتنا في الدنيا حسنة، حديث (٢٦، ٢٧/ ٢٦٩٠).

صفحة رقم 424
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية