آيات من القرآن الكريم

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡ

وعلى ذلك يخرج قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يعني: المؤمنين.
* * *
قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٧)
وقوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)
اختلفوا في تأويله وفي قراءته:
قال بعض الناس: العمرة فريضة بهذه الآية؛ لأنه أمر بإتمامها كما أمر بإتمام الحج.
وقيل: هي الحجة الصغرى.
وأما عندنا: هي ليست بفريضة، وليس في قوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) دليل

صفحة رقم 69

فرضيتها؛ لأنا لم نعرف فرضية الحج بهذه الآية، ولكن إنما عرفناه بقوله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).
ثم في الأمر بالإتمام وجوه:
أحدها: أنهم كانوا يفتتحون الحج بالعمرة، فأمروا بإتمامها، على ما رُويَ عن عمر، رضيَ اللَّهُ عنه، قال: " متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج، ومتعة النساء ".
والثاني: أنهم كانوا لا يجعلون العمرة لله، فأمروا بجعلها لله.
وعلى ذلك روي في حرف ابن مسعود، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أنه قرأ: " وأتموا الحج والعمرةُ لله " بالرفع على الابتداء، ويحتمل الأمر بالإتمام ما رُويَ عن عليٍّ وابن مسعود رضيَ اللَّهُ عنهما سئلا عن قول اللَّه: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) قالا: " من تمامهما أن تحرم من دويرة أهلك ".
واحتج أصحابنا، رحمهم اللَّه تعالى، أيضًا بما رُويَ عن جابر رضيَ اللَّهُ تعالى عنه: " أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه، العمرة واجبة هي؟ قال: لا. وأن تعتمر خير لك ".
وروى أيضا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: " الحج مكتوب، والعمرة تطوع "، وفي بعضها قال: " الحج جهاد، والعمرة تطوع ".
وعن ابن مسعود، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أنه قال: " الحج فريضة، والعمرة تطوع ".

صفحة رقم 70

وعن عائشة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنها، قالت: " قلت: يا رسول اللَّه، أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري؟ قال: انفري فإنه يكفيك ". إلى هذه الأخبار ذهب أصحابنا.
والأصل: احتج أصحابنا أيضًا بشيء من النظر؛ وذلك أن اللَّه تعالى فرض الصلاة والزكاة والصيام في أوقات خصها بها، وأجمع أهل العلم أن المتطوع بالصدقة والصلاة والصيام يفعل ذلك متى شاء، ثم أجمعوا أن العمرة لا وقت لها؛ فدل ذلك على أنها تطوع؛ إذ لو كانت فريضة كان لها وقت مخصوص يفعل فيه كغيرها من الفرائض.
فَإِنْ قِيلَ: إن الحج التطوع مخصوص بوقت مخصوص المفروض منه، فكما لا يدل الخصوص الذي في الحج التطوع على وجوبه، فكذلك العموم الذي في العمرة لا يدل أنها تطوع.
قيل: وجدنا الفرض كله مخصوصًا بوقت، ووجدنا التطوع على ضربين: منه ما هو مخصوص؛ كالحج، ومنه ما هو غير مخصوص؛ كالصلاة والصيام والصدقة. فلما لم نجد في الفرض ما ليس بمخصوص بوقت، أجعلنا كل ما ليس بمخصوص بوقت تطوعًا غير فرض.
واحتجوا أيضًا: بأنا وجدنا العمرة تفعل في أشهر الحج، ولم نجد صلاتين تفعلان في وقت واحد فريضتين، ولكن تفعل الصلاة التطوع في وقت الفريضة؛ فثبت لما جاز أن يجمع بين فعل الحج والعمرة في وقت واحد أنها تطوع؛ كالصلاة التي تفعل في وقت القهر وغيرها.
واحتج من جعلها فرضًا بأن قال: لم نجد شيئًا يتطوع به إلا وله أصل في الفرض، فلو كانت العمرة تطوعًا لكان لها أصل في الفرض.
قيل: العمرة إنما هي الطواف والسعي، ولذلك أصل في الفرض -فرض الحج- مع ما أنا وجدنا الاعتكاف تطوعًا، وليس له أصل في الفرض. فعلى ذلك العمرة.
والأصل: أن كل ما يبتدئ اللَّه إيجابه على عباده فإنه يوجب فعلها بأوقات أو يجعل لأدائها أوقات، والعمرة ليس لوجوبها وقت، ولا لأدائها. ثبت أنها ليست مما أوجبها اللَّه تعالى.
وقوله: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ).
قوله: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية على الإضمار، كأنه قال - واللَّه أعلم -:

صفحة رقم 71

فإن أحصرتم: عن الحج، فأردتم أن تحلوا فاذبحوا ما استيسر من الهدْي؛ إذ الإحصار نفسه لا يوجب الهدْي، لكنه إذا أراد الخروج منه يخرج بهدْي؛ وعلى ذلك يخرج

صفحة رقم 72

قوله: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، كأنه قال - واللَّه أعلم -: من كان منكم مريضًا أو على سفر فأفطر، فعدة من أيام أخر، وكقوله: (أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ) معناه - واللَّه أعلم - أو به أذى فلو أزال من رأسه ففدية، وإلا كون الأذى في رأسه لا يوجب عليه الفداء حتى يزيل، كقوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)، أي من اضطر فأكل منها غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه. والاضطرار نفسه لا يوجب الإثم.
ثم اختلف أهل العلم في الإحصار: ما هو؟ وبم يكون؟ وهل يحل؟
رُويَ عن ابن مسعود، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أنه قال: " إذا أحصر الرجل من مرض أو حبس أو كسر أو شبه ذلك، بعث الهدْي وواعد يوم النحر ومكث على إحرامه على أن يبلغ الهدْي محله، وعليه الحج والعمرة جميعًا من قابل ".
وعن عروة بن الزبير قال: " الحصر من كل شيء يحبسه: عدو ومرض ".
وروي مرفوعًا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج

صفحة رقم 73

من قابل "، ومعنى قوله: " فقد حل "، أي جاز له أن يحل ألا أن يحل، بغير دم؛ لأن اللَّه تعالى أذن له في الإحلال بدم.
وهذا عندنا كقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر "، فمعناه: فقد حل له الإفطار. فعلى ذلك الأول: حل له أن يحل.
ثم قال بعض أهل اللغة من نحو الكسائي وأبي معاذ: إن الإحصار من المرض، والحصر من العدو.
فَإِنْ قِيلَ: رُويَ عن ابن عَبَّاسٍ وابن عمر، رضيَ اللَّهُ تعالى عنهما، أنهما قالا: " لا حصر إلا عن حصار العدو ".
ولكن في هذا نسخ الكتاب بقولهما، إن ثبت، وهو لا يرى نسخ الكتاب بالسنة فضلًا أن يراه بقول واحد من الصحابة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنهم، مع ما ترك قولهما؛ لأنه رَوى عن ابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أنه قال: ذهب الحصر.

صفحة رقم 74

ثم يقال للشافعي - رحمه اللَّه تعالى -: إذا جاز أن تجعل المرأة بمنزلة المحصر من غير أن تخاف عدوًا، لكنها لما منعها من له أن يمنعها جعلتها محصرة، فهلا جعلت المريض مثلها، وإن كان النص في القرآن جاء في المحصر من العدو على زعمك؟
فقال: لأن المرأة حبسها من له أن يحبسها، فهي أشد حالا ممن حبسه عدو، وليس له أن يحبسه.
فيقال له: المريض أمرضه من له أن يمرضه فاجعله أشد حالا من الذي حبسه عدو وليس له أن يحبسه، أو فرق بين المرأة والمريض، فقال: بل بينهما فرق.
وذلك أن الخائف بعدو يخاف القتل على نفسه، وقد أباح اللَّه للخائف في القتال أن يتحيز إلى فئة، فينتقل بذلك من الخوف إلى الأمن.
قيل له: كما رخص للخائف في ذلك فقد رخص للمريض ألا يحضر القتال؛ فالرخصهّ له أكثر من الرخصة للخائف.
فإن قال: إن المريض لا يبرأ بالقعود، والخائف يأمن.
قيل له: إن الرخص التي جعلت للأعذار لا تجعل لترفعها، ولكن الرخصة لتُوَفّيه المشقة. فيقال له أيضا: قد جعلت المرأة محصرة إذا منعها زوجها وهي لا تخاف القتل على نفسها. فبطلت علته وانتقضت.
فإن قال: إنكم لم تجعلوا من ضل الطريق محصرًا وهو ممنوع من المضي على حجه، فما الفرق بينه وبين المريض؟
فيقال: لو جعلنا الضال عن الطريق محصرًا، لم يجز له أن يحل من إحرامه إلا بدم يوجهه إلى الحرم فيذبح عنه.
وإذا وجد من يذهب إلى الحرم فيذبح هديه، فليس بضال؛ لأنه قد وجد دليلًا يدله على طريقه؛ لذلك افترقا.
وبعد، فإن المرض أحق أن يكون عذرًا في ذلك من العدو وغيره؛ لأنه يقاتل العدو والسباع فيدفع عن نفسه الإحصار، والمرض لا سبيل له إلى دفعه. دل أنه أحق أن يجعل عذرًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يكون محصرًا من الحج، ولا يكون من العمرة؛ لأن الحج مما يحتمل الفوت، والعمرة لا.
وأما عندنا: فإنه يكون محصرًا منهما جميعًا؛ لأن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ذكر الإحصار على إثر

صفحة رقم 75

ذكر العمرة بقوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)، وروي في الخبر، يرويه ابن عمر، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خرج معتمرًا، فحال كفار قريش بينه وبين البيت الشريف، فنحر هديه، وحلق رأسه بالحديبية، وقوله: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)، فيه دلالة أن المحصر يبقى حرامًا على حاله، لا يحل حتى ينحر عنه الهدْي.
واختلف أهل العلم: أين يذبح الهدْي؟
فعندنا: أنه لا يجوز أن يذبح إلا في الحرم؛ رُويَ عن ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه - أنه قال: " يبعث بهدْي ويواعدهم يومًا، فإذا نحر عنه حل ". وعن ابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنهما، مثل ذلك. وعن ابن الزبير وعروة ابن الزبير - رضي الله تعالى عنهما -: أن المحصر يبعث بالهدْي فإذا نحر عنه حلق.
وظاهر القرآن يدل على ما رُويَ عن هَؤُلَاءِ؛ لأن اللَّه تعالى قال: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)، فجعل للهدْي محلا يبلغه، وبين موضع محله فقال: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) وكانت الكعبة محلا لجزاء الصيد والدم المحصر.
قال الشيخ - رحمه اللَّه -: المحل: اسم الموضع الذي يحل فيه. ولو كان كل موضع له محلا لم يكن لذلك المحل فائدة.
واحتج من خالف أصحابنا رحمهم اللَّه بما روى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذبح الهدْي يوم الحديبية ثم قال: ولم يبلغنا أنه نحره في الحرم. قبل روي أنه نحر هدْيه يوم الحديبية في الحرم، يرويه مروان بن الحكم.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الحديبية فحال المشركون بينه وبين دخول مكة، وجاء سهيل بن عمرو يعرض عليهم الصلح فصالحهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -

صفحة رقم 76

وأمرهم أن يسوقوا البدن حتى تنحر حيث شاء، ولا يتوهم أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يهدي الهدْي في الحل وقد أطلق له المشركون أن ينحرها حيث شاء ولا يتوهم أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وهو بقرب الحرم بل هو فيه.
ورُويَ عن مروان والمسور بن مخرمة قالا: نزل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية في الحل وكان يصلي في الحرم، هذا يبين أنه كان قادرًا أن ينحر هدْيه في الحرم حيث كان يصلي.
ولا يحتمل أن يترك نحر الهدْي في الحرم وهو على ذلك قادر، ولأن الحديبية مكان مجمع الحل والحرم جميعًا فإنما ذبح في الحرم لا في الحل؛ لما ذكرنا أنه لا يحتمل أن يذبح في الحل، وله سبيل إلى الذبح في الحرم.
فَإِنْ قِيلَ: حل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عام الحديبية من إحصاره بغير هدْي؛ لأن الهدْي إلى نحره كان هديا ساقه لعمرته لا لإحصاره، فنحر هدْيه على النية الأولى، وحل من إحصاره بغير دم.
قلنا: ليس الأمر عندنا هكذا؛ لأنه لا يتوهم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يكون حل بغير دم، وقد أمر اللَّه المحصر بالدم.
فإن قال كذلك قال: وليس في حديث صلح الحديبية أنه نحر دمين، وإنما نحر دمًا واحدًا، فما وجه ذلك عندكم؟
قيل: وجه ذلك عندنا - واللَّه أعلم - أن الهدْي الذي ساقه كان هدْي متعة أو قران فلما منع عن البيت سقط عنه دم القران فجاز له أن يجعله من دم الإحصار. فَإِنْ قِيلَ: فكيف قلنا: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أزال الهدى عن سبيله، وأنت تزعم أن من باع هديه فهو مسيء؟ قيل له: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يصرف الهدْي عن نحره لله والتقرب به إليه، وإنما صرف النية إلى ما هو أفضل منها وأوجب، فكان ذلك في فعله متبعا والذي باعه صرفه عن سبيله وترك أن ينحره بعد أن كان نوى به القربة فكان مسيئا، ومما يدل على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - جعل الهدْي لإحصاره ما روي أنه لم يحلق حتى نحر هديه، وقال: " يا أيها الناس انحروا وحلوا ".
ثم المسألة ما يجب على المحصر بالحج والعمرة من القضاء إذا حل، فعلى قول أصحابنا إذا كان محرمًا بالحج يلزمه الحج مكان الأول وعمرة بتفويت الحج؛ قال الله

صفحة رقم 77

تعالى: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) اختلف أهل العلم في تأويل ذلك، فرُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما يكون الرجل به محصرا أنه قال: فإذا أمنتم من الخوف أو المرض فمن تمتع بالعمرة أي اعتمر في أشهر الحج، كأنه يقول: إن عليه لإحلاله بغير الطواف عمرة، فإن أخرها حتى يقضيها مع الحج في أشهره فعليه لجمعه بينهما دم، ورُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في رجل أهل بعمرة وأحصر: يبعث بهديه، فإذا بلغ الهدْي محله حل، فإن اعتمر من وجهه ذلك إذا برأ فليس عليه هدْي، وإن اعتمر من قابل بعد حج فليس عليه هدْي، فإن وصلها من قابل بعد حج فعليه هدْي، والحاج إذا أحصر فإنه يبعث بهدْي، فإذا بلع محله حل، وإن اعتمر من وجهه ذلك إذا برأ فإنه يحج من قابل وليس عليه هدْي، وإن لم يزر البيت حتى يحج وجعلها سفرا واحدا كان عليه هدْي آخر، سفران وهدْي أو هدْيان وسفر.
وقال قوم: عليه حج واحد.
ورُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه تعالى عنه - قال: أمر اللَّه بالقصاص فيأخذ منكم العدد، أي حجة بحجة وعمرة بعمرة.
وروى في خبر عمر، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما قال: " فقد حل وعليه الحج من قابل "، هذا يدل على قول ابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، لأنه قال: " وعليه الحج من قابل "، ولم يذكر عمرة.
إلا أنه قد يجوز أن يكون عليه العمرة وإن لم تذكر في الحديث، كما أن الدم عليه واجب وإن لم يذكر في الحديث، فعلى ذلك العمرة يجوز وجوبها وإن لم تذكر. أما إيجابهم العمرة لفسخ الحج بغير طواف وحجة مكان حجته: فإن كان التأويل في قوله: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ) أي: بالعمرة التي لزمته بإحلاله كما قال ابن مسعود وابن عَبَّاسٍ وابن الزبير - رضي اللَّه عنهم - فكفى به حجة، وإن كان تأويل الآية غير ذلك فإنا وجدنا من يفوته الحج يلزمه أن يطوف بالبيت ثم يجب بعد ذلك قضاء الحج فأوجبوا على المحصر عمرة مكان الطواف الذي يجب على من يفوته الحج وأوجبوا الحج لما دخل فيه.
فَإِنْ قِيلَ يجب أن تسقط عنه العمرة التي يجب على من يفوته الحج لأن الذي يفوته الحج لا يحل منه بدم وإنما يحل بالطواف، والمحصر قد حل بالدم فقام الدم الذي لزمه يحل به مقام الطواف الذي يفوته الحج.

صفحة رقم 78

قيل له: إن المحصر لو لم يذبح عنه هديا احتاج أن يقوم على إحرامه حتى يصل إلى البيت فيطوف به ولو إلى سنين ثم يحج بعد ذلك مكان الحجة التي دخل فيها فجعل له أن يتعجل إلى الخروج من إحرامه ويؤخر الطواف الذي لزمه بدم يهريقه فبالدم جاز له أن يحل ولم يبطل الطواف عنه وإذا لم يبطل الدم عنه الطواف ولم يجعل بدلًا منه فعليه أن يأتي به بإحرام جديد فيكون ذلك عمرة.
فَإِنْ قِيلَ: ما الدليل على أن الدم الذي يحل به المحصر جعل عليه ليتعجل به الإحلال، ولم يجعل بدلًا عن الطواف؟
قيل: لأن أهل العلم أجمعوا على أن الذي يفوته الحج ليس له أن يفسخ الطواف الذي لزمه بدم يهريقه يجعله بدلًا عن الطواف، فدل أنه إنما يهريق الدم ليتعجل به إلى الإحلال، لا بَدَلاً عن الطواف. واللَّه أعلم.
وقوله: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
رُويَ عن عليٍّ وابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنهما، أنهما قالا: " شاة " وأصحابنا، رحمهم اللَّه تعالى، يرون الشاة مجزئًا في المتعة، والإحصار، والفدية، والحُجةُ لهم في ذلك ما ذكرنا من قول الصحابة، رضوان اللَّه تعالى عليهم أجمعين، وما رُويَ عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال لكعب بن عجرة: " النسك شاة "، وإجماع الناس على أنها مجزئة في الأضحية.
ثم المسألة في المحرم إذا حلق رأسه من أذى:
رخص اللَّه تعالى للمتأذي حلق رأسه بفدًى، بقوله: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)، روي في الخبر عن كعب بن عجرة، أنه قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " يا كعب، أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه. قال: فاحلقه، واذبح شاة أو أطعم ستة مساكين ". وقال كعب: فيَّ نزلت هذه الآية.

صفحة رقم 79

ثم اختلف أهل العلم في الذبح: أين يذبح؟
قال أصحابنا - رضي اللَّه تعالى عنهم -: لا يجوز أن يذبح الفدية إلا بمكة.
وأما الصدقة والصوم فإنه يأتي به حيث شاء.
وذلك عندهم بمنزلة هدْي المتعة؛ لأن هدْي المتعة إنما وجب بجمعه بين الحج والعمرة في سفر واحد؛ ولأنه لو شاء أن يفرد لكل واحد منهما سفرًا فعل، فبأخذه بالرخصة لزمه دم.
وكذلك دم الفدية إنما وجب لأخذه بالرخصة في حلق رأسه، فصار سبيل الدمين سواء، يجبان بمكة، وكذلك دم الإحصار إنما وجب؛ لأنه أخذ بالرخصة في حلق رأسه فحل من إحرامه. ولا يجوز أن يذبح إلا بمكة. فدم الفدية أينما كان إنما وجب؛ لأنه رخص له في حلق مثل ذلك.

صفحة رقم 80

والصدقة: هي ثلاثة آصع على ستة مساكين، على ما ذكر في خبر كعب بن عجرة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه.
فأما الصوم: فإن المتمتع إذا لم يجد هديا، صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. فأجمعوا على أن له أن يصوم السبعة بمكة وفي غيرها. فصوم الفدية كذلك. وكذلك الثلاثة الأيام إذا صامها بعد إحرامه بالعمرة عندنا، وبعد إحرامه بالحج عند مخالفينا بمكة بغيرها، فهي مجزئة، وكذلك صيام الفدية تجزئه حيث صامه قياسًا على صوم المتمتع.
فأما الصدقة: فإن الشافعي رحمه اللَّه ذكر أنها لا تجزئ إلا بمكة.
وقال: لأن أهل الحرم ينتفعون بها كما ينتفعون بالهدْي.
فيقال له: أرأيت إن ذبح الهدْي بغير مكة، ثم تصدق به على أهل الحرم هل يجزئه ذلك؟ فإن قال: لا، قيل له: قد بطلت علتك حيث لم يجز التصدق على أهل الحرم، وبان أن الدم خص بأن يهراق في الحرم؛ لأن اللَّه تعالى قال: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ). فأما الصدقة فهي مجزئة حيث كانت.
ثم اختلف في الذي يحلق قبل أن يذبح بغير أذى:
فقال أبو حنيفة - رضي اللَّه تعالى عنه -: يجب عليه دم. والحجة له: بأن اللَّه - تبارك وتعالى - منع المحصر من الحلق (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)، فإن حلق رأسه لأذى فعليه دم آخر؛ لأن الآية الكريمة في الحلق في المحصر، فإذا كان الذي يصيبه الأذى في رأسه قبل الوقت الذي أذن له فيه فدية، بل الذي يحلق رأسه بغير أذى أحرى أن يكون عليه الفدية. وأبو حنيفة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، يزيد في التغليظ عليه، فيقول: لا يجزئه غير الدم، ويخير صاحب الأذى بين الدم، والصدقة، والإطعام، كما أخبر اللَّه تعالى. فدليل القرآن شهد لمذهبه.
وخالفه جماعة من أكل العلم فيمن حلق قبل أن يذبح وليس بمحصر، ووافقوه في المحصر. واحتجوا بما رُويَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه لما سئل عن رجل حلق قبل أن يذبح فقال: " اذبح ولا حرج ". لكن قوله: " افعل ولا حرج "، يرجع إلى الإثم، دون الكفارة،

صفحة رقم 81

افعل: أي لو فعلت لم يكن عليك حرج؛ لأن الكفارة قد تجب في أشياء يفعلها الرجل خطأ وعلى جهة الجهل، إنما تجب في ذلك؛ فلا حجة لمن احتج بهذا الحديث في زوال الكفارة.
وأصله في ذلك: أن أحوال الضرورة سبب تخفيف الحكم وتيسيره، لم يجز إيجاب ذلك الحكم في غير أحوال الضرورة والعذر. وعلى هذا يخرج قولهم في جميع الأصول: إن الحكم في حال الاضطرار والعذر خلاف ما هو في حال الاختيار. ولهم على هذا مسائل مما يكثر عددها.
وفي الآية دليل لزوم الفداء على المتدهن؛ لأن اللَّه تعالى قال: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا)، وقد ذكرنا أن فيه إضمارًا. ثم معروف حاجة المريض في حال مرضه إلى الدهن، فصار كأنه مذكور في الآية. واللَّه أعلم.
وقوله: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
وقد ذكرنا هذا وأقاويلهم.
وقوله: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ).
اختلف أهل التأويل فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: من حين يحرم آخرها يوم عرفة.
وعن ابن عمر، رضيَ اللَّهُ تعالى عنهما، قال: " ولا تصومهن حتى تحرم ".

صفحة رقم 82

وعن ابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، قال: " ما بين الهلال ويوم عرفة "، وعن على، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، قال: " فصيام ثلاثة أيام في الحج "، اختلف أهل التأويل فيه قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة. فإن فات ذلك صام ثلاثة أيام بعد أيام التشريق.
أما تأخيره الصوم حتى يكون آخره يوم عرفة لما لعله يجد الهدْي، ومثال ذلك ما أمر اليتيمم عن تأخير الصلاة، رجاء أن يجد الماء فيغنيه عن التيمم، فعلى ذلك يؤخر الصوم حتى يكون آخره يوم عرفة رجاء أن يجد الهدْي.
وأما ما اختلفوا فيه من صيامهن حلالا بعد العمرة، فإن من لم يجوز ذلك ذهب إلى أن اللَّه تعالى قال: (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ)، فتأول ذلك على الإحرام. وقد يجوز أن يكون الأمر كما قال، ويجوز أن يكون معناه: في أشهر الحج.
ألا ترى أن اللَّه تعالى يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)، ومعناه - واللَّه أعلم -: أن الحج يفعل في هذه الأشهر، ولفعله أشهر معلومات. فلما احتملت الآية ما ذكرنا وجدنا السنة في المتمتع أن يحرم بالحج عشية التروية، كذلك رُويَ عن جابر بن عبد اللَّه، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أنه قال: " قدمنا مكة مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مهلين بالحج لأربع ليال مضين من ذي الحجة، فطاف بالبيت سبعًا، وسعَى بين الصفا والمروة، ولم يحل؛ لأنه كان ساق الهدْي وأمر من لم يسق الهدْي أن يطوف ويسعى ويقصر ثم يحل.
فلما كان يوم التروية أمرهم أن يلبوا بالحج، فإذا كنا نأمر المتمتع أن يحرم بالحج عشية التروية، فكيف يصوم الثلاثة الأيام بعد ذلك، وإنَّمَا بقي له يوم واحد؟ فدل ما وصفناه: أنه يجوز له أن يصومهن حلالًا بعد العمرة. واللَّه أعلم.
وقوله: (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ).
اختلف فيه:
قيل: إذا رجع من منى.

صفحة رقم 83

وقيل: إذا أتى وقت الرجوع.
وقيل: إذا رجعتم إلى أهليكم.
وقوله: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ).
قيل: تلك العشرة وإن كانت متفرقة، فهي كالموصولة في حق الحج.
وقيل: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)، عن الهدْي وافية، أي: يكمل بها حق الدم.
وقيل: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)، في حق الثواب، أي: ثوابها كثواب الهدْي. والله أعلم.
وقوله: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
جعل الحكم الذي ذكره في المتمتع والمحصر، لمن لا يحضر أهله المسجد الحرام؛ عن ابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أنه قال: " ليس على أهل مكة هدْي في المتعة ".
ولأن أهل مكة لو كانوا كغيرهم لم بكق للمخصوص معنى.
وإذا كان المعتمر في أشهر الحج إذا رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فلا هدْي عليه، فالمكي مقيم في منزله بعد عمرته فهو أحرى ألا يجب عليه دم المتعة إن حج من عامه ذلك، ولكنه إن تمتع فعليه دم الحلال؛ لأنه منهي عن التمتع.
ثم اختلف أهل التأويل في (حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، من هم؟
قال أصحابنا - رحمهم اللَّه تعالى -: كل من كان من أهل المواقيت فما دونها إلى مكة، فلهم أن يدخلوها بغير إحرام، فلهم جميعًا حكم حاضري المسجد الحرام.
ورُويَ عن ابن عمر، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أنه خرج من مكة يريد المدينة، فلما بلغ قديدًا بلغه أن بالمدينة جيشين من جيوش الفتنة، فرجع ودخلها بغير إحرام.
وعندنا: إذا جاوز جميع المواقيت ثم رجع فعليه الإحرام.
وقال آخرون: لبس حاضري المسجد الحرام.
وأما الدليل، لأصحابنا، رحمهم اللَّه تعالى، ما ذكرنا.

صفحة رقم 84
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية