قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَيْنَكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِتَأْكُلُوا لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا تَتَنَاقَلُوهَا فِيمَا بَيْنَكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْأَمْوَالِ ; أَيْ كَائِنَةٌ بَيْنَكُمْ، أَوْ دَائِرَةٌ بَيْنَكُمْ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ) [الْبَقَرَةِ: ٢٨٢].
وَ (بِالْبَاطِلِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَأْكُلُوا ; أَيْ لَا تَأْخُذُوهَا بِالسَّبَبِ الْبَاطِلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْأَمْوَالِ أَيْضًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ فِي تَأْكُلُوا ; أَيْ مُبْطِلِينَ. (وَتُدْلُوا) : مَجْزُومٌ عَطْفًا عَلَى تَأْكُلُوا. وَاللَّامُ فِي (لِتَأْكُلُوا) : مُتَعَلِّقَةٌ بِتُدْلُوا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تُدْلُوا مَنْصُوبًا بِمَعْنَى الْجَمْعِ ; أَيْ لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ أَنْ تَأْكُلُوا وَتُدْلُوا وَ (بِالْإِثْمِ) : مِثْلُ بِالْبَاطِلِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَنِ الْأَهِلَّةِ) : الْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيكِ النُّونِ، وَإِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيُقْرَأُ فِي الشُّذُوذِ بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي اللَّامِ، وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ، وَالْأَصْلُ الْأَهِلَّةُ
فَأُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ فَتَحَرَّكَتْ، ثُمَّ حُذِفَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَحَرُّكِ اللَّامِ، فَصَارَتْ لَهِلَّةِ فَلَمَّا لَقِيَتِ النُّونُ اللَّامَ قُلِبَتِ النُّونُ لَامًا، وَأُدْغِمَتْ فِي اللَّامِ الْأُخْرَى وَمِثْلُهُ لَحْمَرُ فِي الْأَحْمَرِ، وَهِيَ لُغَةٌ. (
وَالْحَجِّ) : مَعْطُوفٌ عَلَى النَّاسِ.
وَلَا اخْتِلَافَ فِي رَفْعِ «الْبِرُّ» هُنَا ; لِأَنَّ خَبَرَ لَيْسَ «بِأَنْ تَأْتُوا» وَلَزِمَ ذَلِكَ بِدُخُولِ الْبَاءِ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا) إِذْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِأَحَدِهِمَا مَا يُعَيِّنُهُ اسْمًا أَوْ خَبَرًا.
وَ (الْبُيُوتَ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْجَمْعِ عَلَى فَعُولٍ، وَالْمُعْتَلُّ كَالصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا ضُمَّ أَوَّلُ هَذَا الْجَمْعِ لِيُشَاكِلَ ضَمَّةَ الثَّانِي، وَالْوَاوَ بَعْدَهُ.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْبَاءِ ; لِأَنَّ بَعْدَهُ يَاءً، وَالْكَسْرَةُ مَنْ جِنْسِ الْيَاءِ، وَلَا يُحْتَفَلُ بِالْخُرُوجِ مِنْ كَسْرٍ إِلَى ضَمٍّ ; لِأَنَّ الضَّمَّةَ هُنَا فِي الْيَاءِ، وَالْيَاءُ مُقَدَّرَةٌ بِكَسْرَتَيْنِ، فَكَانَتِ الْكَسْرَةُ فِي الْبَاءِ كَأَنَّهَا وَلِيَتْ كَسْرَةً، هَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْغُيُوبِ وَالْجُيُوبِ، وَالشُّيُوخِ وَمِنْ هَاهُنَا جَازَ فِي التَّصْغِيرِ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ، فَيُقَالُ: بُيَيْتٌ وَبِيَيْتٌ.
(وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى) : مِثْلُ «وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١)).
يُقْرَأُ ثَلَاثَتُهَا بِالْأَلِفِ، وَهُوَ نَهْيٌ عَنْ مُقَدِّمَاتِ الْقَتْلِ ; فَيَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْقَتْلِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُوَ مُشَاكِلٌ لِقَوْلِهِ «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَيُقْرَأُ ثَلَاثَتُهَا بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُوَ مَنْعٌ مِنْ نَفْسِ الْقَتْلِ، وَهُوَ مُشَاكِلٌ لِقَوْلِهِ «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ» وَلِقَوْلِهِ: «فَاقْتُلُوهُمْ» وَالتَّقْدِيرُ: فِي قَوْلِهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ ; أَيْ فِيهِ.