
(فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) وهذا يدل على أن التبديل إثم ممن يقع منه التبديل سواء أكان وصيا في التركة أم كان وصيا على الورثة الضعفاء أم كان شاهدا، أم كان قد أُودع الوصية، وبعبارة عامة، كل من يكون في قدرته التبديل والتغيير في موضوعها، أو في مقدارها، أو في مستحقها، ولا يقال إن التبديل من الموصى نفسه للسياق، إذ يقول (بَعْدَمَا سَمِعَهُ)، أي القول الدال على الوصية، والموصى لم يسمع القول بل قاله، متفق عليه أن الموصى له أن يغير في الوصية، ويبدل ما دام حيا؛ لأنها تصرف غير لازم، ولا تنفذ إلا بعد وفاة، ولا يأثم إلا إذا غيرها من خير إلى غيره، ولا يكون الإثم إلا من قصد الشر.
وكان التبديل إثما لأنه خيانة للموصِي الذي استودعه أسراره، ولأنه اعتدى فغير وبدل فيما لَا يملك التغيير، ولأنه كشاهد الزور الذي يشهد بغير ما يعلم أنه الحق، ولأنه يفوت الخير المعروف الذي قصده الموصِي بوصيته.

وقوله تعالى: (فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) الفاء هنا واقعة في جواب الشرط، و " إنما " دالة على القصر، أي فإن الإثم واقع على الذين يبدلونه، وليس على الموصِي وزر فيما فعلوه، فقد احتسب الخير ونواه، وأراد تنفيذه، وليس عليه وزر الذين غيروا وبدلوا.
وقوله تعالى: (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) بواو الجمع، وقد يكون الذي غيره واحدًا، للإشارة إلى أن ذلك التغيير عادة يكون من الورثة الذين يريدون أن يغيروا إرادة المورِث، ففي التعبير بواو الجماعة إشارة إلى ائتمار منه ولا ينسب إلى واحد يتحمل وحده الوزر، بل يتحملون جميعا الوزر.
ولقد هدد الله تعالى أولئك المغيرين المبدلين المناعين للخير، بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ سميعٌ عَلِيمٌ) أي أنه سبحانه وتعالى سميع لأقوالهم التي غيروا بها وبدلوا، ومنعوا الخير عن صاحبه، وعليم بكل شيء، عليم بالوصية الحق التي كتبها الموصي، وعليم بمن غير وبدل وهو المتصف بالعلم الكامل، وهو الذي أحاط بكل شيء علما سبحانه وتعالى.
وإن ذلك إنذار شديد لمن يغير.
وقد أكد سبحانه الكلام بإن المؤكدة، والجملة الاسمية، وذكر اسم (الله) سبحانه وتعالى العالم بكل شيء.
وإنه قد يكون الموصي ظالما، أو ميالا لظلم، أو يريد إثما لوصيته كمن يوصي في موضع، أو يعين في وصيته على إثم فهل تنفذ هذه الوصية، وهل يجوز تغييرها؛ قال الله تعالى في ذلك: