
المؤمنين (١).
١٧٩ - قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ قال عُظْمُ أهل التأويل (٢): معناه: أن سافكَ الدم إذا أُقيد منه ارتدع من كان يهمّ بالقتل، فكان في القصاص بقاءٌ؛ لأنه إذا علم أنه إن قَتَل قُتِلَ أَمْسَكَ وارتدع عن القتل، ففيه حياةٌ للذي همّ بقتله، وحياةٌ للهامّ أيضًا، وقد أخذ الشاعر هذا المعنى ونقله عن القصاص إلى العتاب فقال:
أبلغ أبا مالك عنى مُغَلغَلةً | وفي العتاب حياة بين أقوام (٣) |
(٢) ينظر في بيان كون القصاص حياة: "تفسير الطبري" ٢/ ١١٤، ١١٥، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٩٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩١، "تفسير البغوي" ١/ ١٩١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩١، "التفسير الكبير" ١/ ٥٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٣٧ - ٢٣٨، "البحر المحيط" ٢/ ١٥.
(٣) البيت لهمام الرقاشي في "مقاييس اللغة" ٤/ ٣٧٧، ولعصام بن عبيد الزماني في "تاج العروس"، وبلا نسبة في "لسان العرب" ٦/ ٣٢٨٩ (غلل).
(٤) في (ش): (فكفوا عن القتل وكان).
(٥) ينظر: "تأويل مشكل القرآن" ص ٦٦/ ٦٧، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ١٥٩، ويروى المثل بلفظ: القتل أنفى للقتل، وأوفى للقتل، وأكف للقتل. ينظر: "الصناعتين" لأبي هلال العسكري ص ١٨١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩١، "التفسير الكبير" ٥/ ٥٦، "الدر المصون" ٢/ ٣٥٧، وعزاه ابن كثير ١/ ٢٢٣ - ٢٢٤ لبعض الكتب المتقدمة.

وقال السدي: كانوا يقتلون بالواحد الاثنين والعشرة والمائة، فلما قصروا على الواحد كان في ذلك حياة (١).
وقال عطاء عن ابن عباس: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ فرح، وأراد: أن ولي الدم إذا استوفى القصاص تشفّى بذلك وطابت نفسه، فالتذ بالحياة، ولولا القصاص لتنغص بعيشه، فكأن حياته موتًا. وقد يبلغ بالإنسان القصور عن إدراك الثأر إلى أن يتمنى الموت، سيما العرب، فإنهم أشد الأمم حفاظًا، وأحرصهم على إدراك الثأر، والأخذ بالطوائل، وكل عيشٍ يراد الموتُ فيه موت، فإذا زال سبب تمني الموت بالقصاص كان فيه حياة. ويجوز أن يكون المعنى في هذا ما تذهب إليه العرب من أن قتل القاتل إحياء للمقتول، يقولون: أحيا فلان أباه، إذا قتل قاتله، ومنه:
أحيا أباه هاشمُ بنُ حَرمَله (٢)
يعني: قتل قاتله، فسماه إحياءً، فعلى هذا في القصاص حياة للمقتول على معنى: أن المراد بالحياة قتل قاتله.
وقوله تعالى: ﴿يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ أولوا: واحدها ذو، وهو من الجموع التي لا يفرد واحدها من لفظه، كالنفر (٣) والرهط والقوم والخيل
(٢) تمامه:
إذ الملوكُ حوله مُرَعبله.
البيت لعامر الخصفي، ذكره في "الاشتقاق" لابن دريد ص ٢٩٥، "السيرة النبوية" لابن هشام ١/ ١١٢، ١١٣، "الإصابة" ٣/ ٦١٦ وفيه قصة هذا البيت.
(٣) في (م): (كالنفس).

والإبل والنساء (١).
﴿الأَلْبَابِ﴾ جمع لُبٍّ، ولُبُّ الشيء: خالصُه، وهو الذي يَتَركَّبُ عليه القِشْر، وكذلك اللُّبَاب، يُقال: لبابُ القَمح والفستق، ولُبّ اللَّوز (٢) والجوز. وسمى العقل لُبَّا تشبيهًا به؛ لأنه أشرف خصال المرءِ، وأصل لُبّ: اللزوم، يقال: أَلَبَّ بالمكان، إذا لزمه لزوم لُبِّ الشّيء له، واللَّبَبَ: الرمل المتراكم، سمي للزوم بعضه بعضًا، ومنه قولُ ذي الرمة:
..... أفضى بها لَبَبُ (٣)
وقال ابن المظفر: اللَّبَابَةُ: مصدر اللَّبيب (٤)، وقد لَبِبْتَ تَلَبُّ، وهكذا قال الفراء
وغيرُه: لَبَّ يَلَبُّ: إذا عَقَل، ومنه قول صفية (٥) في ابنها الزبير (٦) وضربته، فقيل لها: لم ضربتيه؟ فقالت: أضربه كي يَلِبَ، ويقود الجيش ذا
(٢) في (م): (الموز).
(٣) تمام البيت هكذا:
براقةُ الجِيد واللبات واضحة | كأنها ظبية أفضى بها لبب |
(٤) في (أ): (اللبب).
(٥) هي: صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشية الهاشمية، عمة رسول الله - ﷺ -، أم الزبير بن العوام شقيقة حمزة، صحابية، توفيت سنة ٢٠ هـ- في خلافة عمر. ينظر: "أسد الغابة" ٧/ ١٧٢ - ١٧٤، "الأعلام" ٣/ ٢٠٦.
(٦) هو: الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي، أبو عبد الله، أمه صفية بنت عبد المطلب، هو أول من سل سيفًا في سبيل الله، ما تخلف عن غزوة غزاها الرسول - ﷺ -، أحد المبشرين بالجنة، قتل سنة ٣٦ هـ. ينظر: "الاستيعاب" ٢/ ٨٩، "أسد الغابة" ٢/ ٢٤٩ - ٢٥٢.