آيات من القرآن الكريم

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ

وَإِنَّمَا حُرِّكَتِ الْوَاوُ بِالضَّمِّ دُونَ غَيْرِهِ ; لِيُفْرَقَ بَيْنَ وَاوِ الْجَمْعِ وَالْوَاوِ الْأَصْلِيَّةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: لَوِ اسْتَطَعْنَا، وَقِيلَ ضُمَّتْ لِأَنَّ الضَّمَّةَ هُنَا أَخَفُّ مِنَ الْكَسْرَةِ ; لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْوَاوِ.
وَقِيلَ: حُرِّكَتْ بِحَرَكَةِ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ، وَقِيلَ ضُمَّتْ ; لِأَنَّهَا ضَمِيرٌ فَاعِلٌ، فَهِيَ مِثْلُ التَّاءِ فِي قُمْتُ، وَقِيلَ: هِيَ لِلْجَمْعِ فَهِيَ مِثْلُ نَحْنُ، وَقَدْ هَمَزَهَا قَوْمٌ، شَبَّهُوهَا بِالْوَاوِ الْمَضْمُومَةِ ضَمًّا لَازِمًا نَحْوَ: أَثْؤُبٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُهَا إِيثَارًا لِلتَّخْفِيفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَلِسُهَا فَيَحْذِفُهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ قَبْلَهَا فَتْحَةً، وَالْفَتْحَةُ لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا.
قَالَ تَعَالَى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ) : ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، وَالْكَافُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرْفَ جَرٍّ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا بِمَعْنَى مِثْلَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (الَّذِي اسْتَوْقَدَ) : الَّذِي هَاهُنَا مُفْرَدٌ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى عَلَى الْجَمْعِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ((ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ)) وَمَا بَعْدَهُ. وَفِي وُقُوعِ الْمُفْرَدِ هُنَا مَوْقِعَ الْجَمْعِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ جِنْسٌ، مِثْلُ: مَنْ وَمَا، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ تَارَةً بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ، وَتَارَةً بِلَفْظِ الْجَمْعِ.

صفحة رقم 32

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ الَّذِينَ فَحُذِفَتِ النُّونُ لِطُولِ الْكَلَامِ بِالصِّلَةِ، وَمِثْلُهُ: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) ثُمَّ قَالَ: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزُّمَرِ: ٣٣].
وَاسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوْقَدَ، مِثْلُ اسْتَقَرَّ بِمَعْنَى قَرَّ ; وَقِيلَ: اسْتَوْقَدَ اسْتَدْعَى الْإِيقَادَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا أَضَاءَتْ) : لَمَّا هَاهُنَا اسْمٌ، وَهِيَ ظَرْفُ زَمَانٍ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ بَعْدَهَا الْمَاضِي، وَكَانَ لَهَا جَوَابٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا جَوَابُهَا، مِثْلُ: إِذَا.
وَأَضَاءَتْ: مُتَعَدٍّ، فَيَكُونُ ((مَا)) عَلَى هَذَا مَفْعُولًا بِهِ ; وَقِيلَ أَضَاءَ لَازِمٌ، يُقَالُ: ضَاءَتِ النَّارُ وَأَضَاءَتْ بِمَعْنًى، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ((مَا)) ظَرْفًا، وَفِي ((مَا)) ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي.
وَالثَّانِي: هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ; أَيْ مَكَانًا حَوْلَهُ. وَالثَّالِثُ هِيَ زَائِدَةٌ.
قَوْلُهُ: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) [الْبَقَرَةِ: ١٧] الْبَاءُ هُنَا مُعَدِّيَةٌ لِلْفِعْلِ، كَتَعْدِيَةِ الْهَمْزَةِ لَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَذْهَبَ اللَّهُ نُورَهُمْ. وَمَثَلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ.
وَقَدْ تَأْتِي الْبَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْحَالِ ; كَقَوْلِكَ: ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ، أَيْ ذَهَبْتُ وَمَعِي زَيْدٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ) : تَرَكَهُمْ هَاهُنَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى صَيَّرَهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّرْكُ الَّذِي هُوَ الْإِهْمَالُ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي فِي ظُلُمَاتٍ، فَلَا يَتَعَلَّقُ الْجَارُّ بِمَحْذُوفٍ، وَيَكُونُ ((لَا يُبْصِرُونَ)) حَالًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يُبْصِرُونَ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي، وَفِي ظُلُمَاتٍ ظَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِمْ، أَوْ بِـ ((يُبْصِرُونَ))، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُبْصِرُونَ، أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ.

صفحة رقم 33
التبيان في إعراب القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو البقاء محبّ الدين عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبريّ البغدادي
الناشر
عيسى البابي الحلبي وشركاه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
إعراب القرآن
اللغة
العربية