آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ

فحدثوهم بالعصا وبيده بيضاء، وسألوا النصارى عما جاءهم به عيسى ﷺ من الآيات، فحدثوهم أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. فقالت قريش للنبي ﷺ: " ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً، فنزداد يقيناً ونتقوى به على / عدونا ". فسأل النبي ﷺ ربّه، فأوحى الله تعالى إليه: " إني أعطيهم أن أجعل لهم الصفا ذهباً، ولكن إن كذبوا بعد، عذبتهم عذاباً لم أعذبه أحداً من العالمين ". فقال النبي ﷺ: " دَعْنِي وَقَوْمِي فَأَدْعُوهُم يَوْماً بِيَوْمٍ فَأَنْزَلَ الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض﴾ " الآية. أي: إن في ذلك لآية لهم إن كانوا يريدون أن أجعل لهم آية. وقاله السدي وغيره.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً﴾ إلى قوله: ﴿مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
أي: ومن الناس من يعبد آلهة / وأصناماً من دون الله، يحبون الأصنام كحبهم لله. أي يُسوّون بين الله وبين الأصنام في المحبة، والمؤمنون أشد حباً لله من الكفار لآلهتهم.
وجاءت الهاء والميم للأصنام وهي لا تعقل لأنها كانت عندهم ممن يعقل ويفهم، فخوطبوا على ما كان في ظنهم فأجريت مجرى من يعقل بالهاء والميم.

صفحة رقم 535

قال ابن مسعود: " قال رسول الله [عليه السلام]: " مَنْ مَاتَ يَجْعَلُ لله نِداً، أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ "، وأنا أقول: " من مات لا يجعل لله نداً، أدخله الله الجنة ".
وقيل: المعنى: يحبون الأصنام كحبكم أنتم الله، وأنتم أشد حباً لله من الكفار لآلهتهم.
وقيل: جاء ضمير الأصنام بالهاء والميم، وهي لا تعقل لأنهم لما عبدوها أنزلوها منزلة من يعقل.
وقال السدي: " الأنداد هنا ساداتهم الذين كانوا يطيعونهم كما يطيعون الله.
ثم قال: ﴿وَلَوْ يَرَى الذين ظلموا إِذْ يَرَوْنَ العذاب﴾.
أي: ولو ترى يا محمد الذين كفروا وظلموا أنفسهم حين يرون عذاب الله لرأيت أمراً عظيماً، ولعلمت أن القوة لله جميعاً.

صفحة رقم 536

فجواب " لو " محذوف، وفتح " أن " على تقدير فعل محذوف وهو جواب " لو ".
وقيل: إن " أنْ " فتحت بـ " تَرَى ". وهو قول المبرد والأخفش.
و" ترى " بمعنى تعلم، التقدير: " ولو يعلم الذين ظلموا جميعاً لتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة دون الله ". وهذا إنما يكون على قراءة من قرأ بالياء.
وقيل: معنى: " ترى " تنظر، وأن التقدير: ولو تنظر يا محمد الذين ظلموا حين يرون العذاب لأقروا أن القوة لله.
وقيل: فتحت " إن " على تقدير اللام أي: لأن القوة لله، والجواب أيضاً محذوف تقديره: لعلموا مبلغ عذاب الله ونحوه.
ومن كسر " إِنّ " كسرها على الابتداء، وجواب " لو " محذوف أيضاً.

صفحة رقم 537

وقيل: إنَّ كسرَها على إضمار القول أي: " يَقولونَ: إِنَّ القُوَّةَ للهِ ".
ثم قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا﴾.
والمعنى: وإِن الله شديد العذاب حين تبرأ الذين اتُّبعوا - وهم سادات الكفار وأهل الرأي منهم الجبابرة - من الذين اتَّبعوا - وهم أتباع السادات.
﴿وَرَأَوُاْ العذاب﴾: أي: ورأى الجميع / عذاب الله وذلك كله في القيامة.
﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب﴾.
يعني القرابات التي كانت بينهم في الدنيا والصداقات فلم ينتفعوا. هذا قول قتادة وعطاء والربيع.
والهاء في " بِهِمْ " ترجع على التابعين والمتبوعين.
وكذلك الهاء في " يُرِيهِمْ " و " أعْمالِهمْ ".
وقال السدي: " الذين اتبعوا هم / الشياطين تبرأُوا في القيامة ممن اتبعهم من الإنس ".
وقيل: الآية عامة في كل من اتبع على شرك تبرأوا في الآخرة ممن اتبعهم.
قال مجاهد: " الأسباب: الوصايل والمودة ". وقاله ابن عباس.

صفحة رقم 538

قال قتادة: " صارت مواصلتهم في الدنيا عداوة يوم القيامة ".
قال تعالى ذكره: ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ [العنكبوت: ٢٥].
وقال: ﴿الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين﴾ [الزخرف: ٦٧].
وعن ابن عباس أيضاً: " أن الأسباب هي المنازل التي كانت لهم من أهل الدنيا ". وعنه أيضاً: " الأسباب: الأرحام ".
وقال السدي: " الأسباب الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا ". وقاله ابن زيد.
﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب﴾: أعمال أهل التقوى.
وقيل: أعطوا [أسباب أعمالهم السيئة، وتقطعت بهم أسباب] أعمال أهل التقوى. وأصل " السبب " الحبل يتعلق به إلى الحاجة التي لا يوصل إليها إلا

صفحة رقم 539

بالتعلق، ثم يقال لكل ما هو سبب إلى حاجة: سبب وإن لم يكن حبلاً.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ الذين اتبعوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ﴾.
أي: وقال الأتباع: لو أن لنا رجعة إلى الدنيا فنبرأ من هؤلاء القادة الجبابرة الذين اتبعناهم في الدنيا على الشرك كما تبرأوا منا الآن.
ثم قال ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾ /.
أي: كما أراهم الله العذاب وتبرأ بعضهم من بعض كذلك يريهم / أعمالهم حسرات عليهم: أي ندامات.
والمعنى: كذلك يريهم الله عذاب أعمالهم السيئة ليتحسروا على عملها. قاله الربيع وابن زيد. وهو اختيار الطبري.
وقيل: المعنى: كذلك يريهم الله ثواب أعمالهم التي افترضها الله عليهم في / الدنيا فضيعوها، ولم يعملوا بها ليتحسروا على تركها.
قال السدي: " يرفع الله لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أنهم أطاعوا الله، فيقال لهم: تلك مساكنكم لو أطعتم الله، ثم تقسم بين المؤمنين فيريهم الله

صفحة رقم 540

ذلك، فذلك حين يندمون ". وقال ابن مسعود: " ليس من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار وهو يوم الحسرة؛ فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة فيقال لهم: لو عملتم، فتأخذهم الحسرة. ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار، فيقال لهم: لولا أن الله مَنَّ عليكم ".
فالمعنى على هذا: كذلك يريهم الله ثواب أعمالهم التي كانت / تلزمهم في الدنيا فتركوها وضيعوها حسرات عليهم.
والحسرة في اللغة: أشد الندامة.
ثم قال: ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النار﴾.
أي: ليسوا يخرجون من النار أبداً، يعني به القوم الذين تقدمت صفتهم وتبرأ بعضهم من بعض، وتمنى بعضهم الرجعة إلى الدنيا.
وهذه الآية تدل على فساد قول من زعم أن عذاب الله تعالى للكفار له نهاية.
وقوله: ﴿يا أيها الناس كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض حَلاَلاً طَيِّباً﴾.
أي: كلوا مما أحل الله لكم من الأطعمة على لسان محمد ﷺ.

صفحة رقم 541

قوله: / ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان﴾.
قال ابن عباس: " خطواته: عمله ".
وقال مجاهد: " خطاياه ". وهو قول قتادة والضحاك وابن زيد. أي: خطاياه التي يأمر بها ويدعو إليها.
وقال السدي: " خطوات الشيطان: طاعته ".
وقال أبو مجلز: " هي النذور في المعاصي ".
قوله: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.
أي: ظاهر العداوة، فالمعنى: النهي عن اتباع ما يدعو إليه الشيطان مما هو خلاف لطاعة الله تعالى.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بالسوء﴾.
أي بما يسوؤكم، ولا تسركم عاقبته.
﴿والفحشآء﴾: أي: ما فحش ذكره مثل الزنا والكفر.

صفحة رقم 542
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية