
وفي الأعراف يُرْسِلُ الرِّياحَ [الآية: ٥٧]، وفي إبراهيم اشتدت به الرياح [الآية: ٨]، وفي الحجر الرِّياحَ لَواقِحَ [الآية: ٢٢]، وفي الكهف تَذْرُوهُ الرِّياحُ، وفي الفرقان أَرْسَلَ الرِّياحَ [الآية: ٢٢]، وفي النمل وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ [الآية: ٦٣]، وفي الروم [الآيتان: ٤٦، ٤٨] في موضعين، وفي فاطر [الآية: ٩] وفي الجاثية [الآية: ٥] وفي حم عسق يسكن الرياح [الآية: ٣٣]، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر موضعين من هذه بالإفراد: في إبراهيم وفي حم عسق، وقرؤوا سائرها كقراءة نافع، وقرأ ابن كثير بالجمع في خمسة مواضع: هنا وفي الحجر وفي الكهف وفي الروم الحرف الأول وفي الجاثية وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وباقي ما في القرآن بالإفراد، وقرأ حمزة بالجمع في موضعين: في الفرقان وفي الروم الحرف الأول وأفرد سائر ما في القرآن، وقرأ الكسائي كحمزة وزاد عليه في الحجر الرِّياحَ لَواقِحَ [الآية: ٢٢]، ولم يختلفوا في توحيد ما ليس فيه ألف ولام، والسَّحابِ جمع سحابة، سمي بذلك لأنه ينسحب، كما قالوا حبا لأنه يحبو، قاله أبو علي الفارسي، وتسخيره بعثه من مكان إلى آخر، فهذه آيات أن الصانع موجود. والدليل العقلي يقوم أن الصانع للعالم لا يمكن أن يكون إلا واحدا لجواز اختلاف الاثنين فصاعدا.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٥ الى ١٦٧]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)
ذكر الله تعالى الوحدانية ثم الآيات الدالة على الصانع الذي لا يمكن أن يكون إلا واحدا، ثم ذكر في هذه الآية الجاحدين الضالين معجبا من سوء ضلالهم مع الآيات، لأن المعنى أن في هذه الأمور لآيات بينة، ومن الناس مع ذلك البيان من يتخذ، وخرج يَتَّخِذُ موحدا على لفظ مِنَ والمعنى جمعه، ومِنْ دُونِ لفظ يعطي غيبة ما تضاف إليه دُونِ عن القضية التي فيها الكلام، وتفسير دُونِ بسوى أو بغير لا يطرد، والند النظير والمقاوم والموازي كان ضدا أو خلافا أو مثلا، إذا قاوم من جهة فهو منها ند، وقال مجاهد وقتادة: المراد بالأنداد الأوثان، وجاء ضميرها في يُحِبُّونَهُمْ ضمير من يعقل لما أنزلت بالعبادة منزلة من يعقل، وقال ابن عباس والسدي: المراد بالأنداد الرؤساء المتبعون يطيعونهم في معاصي الله تعالى، ويُحِبُّونَهُمْ في موضع نصب نعت للأنداد، أو على الحال من المضمر في يَتَّخِذُ، أو يكون في موضع رفع نعت ل مِنَ وهذا على أن تكون مِنَ نكرة والكاف من كَحُبِّ في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، و «حب» مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ وهو على التقدير مضاف إلى

الفاعل المضمر، تقديره كحبكم الله أو كحبهم الله حسبما قدر كل وجه منها فرقة، ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان.
ثم أخبر أن المؤمنين أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ لإخلاصهم وتيقنهم الحق.
وقوله تعالى: ولو ترى الذين ظلموا قرأ نافع وابن عامر «ترى» بالتاء من فوق، و «أن» بفتح الألف، و «أن» الأخرى كذلك عطف على الأولى، وتقدير ذلك: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله، فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى، وهو العامل في «أن»، وتقدير آخر: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعا، وقد كان النبي ﷺ علم ذلك، ولكن خوطب والمراد أمته، فإن فيهم من يحتاج إلى تقوية علمه بمشاهدة مثل هذا، وتقدير ثالث: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ولاستعظمت ما حل بهم، فاللام مضمرة قبل «أن»، فهي مفعول من أجله، والجواب محذوف مقدر بعد ذلك، وقد حذف جواب لَوْ مبالغة، لأنك تدع السامع يسمو به تخيله، ولو شرحت له لوطنت نفسه إلى ما شرحت، وقرأ الحسن وقتادة وشيبة وأبو جعفر ترى بالتاء من فوق وكسر الهمزة من «إن»، وتأويل ذلك: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لاستعظمت ما حل بهم، ثم ابتدأ الخبر بقوله «إن القوة لله»، وتأويل آخر: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة لله جميعا لاستعظمت حالهم. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن كثير «يرى» بالياء من أسفل، وفتح الألف من «أن»، تأويله: ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله جميعا، وتأويل آخر روي عن المبرد والأخفش: ولو يرى بمعنى يعلم الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا لاستعظموا ما حل بهم، ف «يرى» عامل في «أن» وسدت مسد المفعولين.
وقال أبو علي: «الرؤية في هذه الآية رؤية البصر»، والتقدير في قراءة الياء: ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله جميعا، وحذف جواب لَوْ للمبالغة، ويعمل في «أن» الفعل الظاهر وهو أرجح من أن يكون العامل فيها مقدرا، ودخلت إِذْ وهي لما مضى في أثناء هذه المستقبلات تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه، كما يقع الماضي موقع المستقبل في قوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ [الأعراف: ٥٠]، وأَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل: ١]، ومنه قول الأشتر النخعي: [الكامل]
بقيت وفري وانحرفت عن العلا | ولقيت أضيافي بوجه عبوس |
وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف قول المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة، وقالت صفحة رقم 235