آيات من القرآن الكريم

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله واللاعنين يَلعنون الكاتمين الناس ما علموا من أمر نبوة محمد ﷺ وصفته ونعته في الكتاب الذي أنزله الله وبَيَّنه للناس، إلا من أناب من كتمانه ذلك منهم؛ ورَاجع التوبة بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، والإقرار به وبنبوّته، وتصديقه فيما جاء به من عند الله، وبيان ما أنزل الله في كتبه التي أنزل إلى أنبيائه، من الأمر باتباعه؛ وأصلح حالَ نفسه بالتقرب إلى الله من صَالح الأعمال بما يُرضيه عنه؛ وبيَّن الذي عَلم من وَحي الله الذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه، وأظهرَه فلم يُخفِه ="فأولئك"، يعني: هؤلاء الذين فَعلوا هذا الذي وصفت منهم، هم الذين أتوب عليهم، فأجعلهم من أهل الإياب إلى طاعتي، والإنابة إلى مَرضَاتي.
ثم قال تعالى ذكره:"وَأنا التواب الرحيم"، يقول: وأنا الذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عنّى إليَّ، والرادُّها بعد إدبارها عَن طاعتي إلى طلب محبتي، والرحيم بالمقبلين بعد إقبالهم إليَّ، أتغمدهم مني بعفو، وأصفح عن عظيم ما كانوا اجترموا فيما بيني وبينهم، بفضل رحمتي لهم.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يُتاب على من تاب؟ وما وَجه قوله:"إلا الذينَ تابوا فأولئك أتوب عليهم"؟ وهل يكون تائبٌ إلا وهو مَتُوب عليه، أو متوب عليه إلا وهو تائب؟
قيل: ذلك مما لا يكون أحدُهما إلا والآخر معه، فسواء قيل: إلا الذين تِيبَ عليهم فتابوا - أو قيل: إلا الذين تابوا فإني أتوب عليهم. وقد بيَّنا وَجه ذلك

صفحة رقم 259

فيما جاء من الكلام هذا المجيء، في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٢٣٩٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله:"إلا الذين تابوا وأصلحوا وبَيَّنوا"، يقول: أصلحوا فيما بينهم وبين الله، وبيَّنوا الذي جاءهم من الله، فلم يكتموه ولم يجحدوا به: أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم.
٢٣٩١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"إلا الذين تَابوا وأصلحوا وبَينوا" قال، بيّنوا ما في كتاب الله للمؤمنين، وما سألوهم عنه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا كله في يهود.
* * *
قال أبو جعفر: وقد زعم بعضهم أن معنى قوله:"وبيَّنوا"، إنما هو: وبينوا التوبة بإخلاص العمل. ودليل ظاهر الكتاب والتنزيل بخلافه. لأن القوم إنما عوتبوا قبل هذه الآية، (٢) على كتمانهم ما أنزلَ الله تعالى ذكره وبينه في كتابه، في أمر محمد ﷺ ودينه، ثم استثنى منهم تعالى ذكره الذين يبينون أمرَ محمد ﷺ ودينه، فيتوبون مما كانوا عليه من الجحود والكتمان، فأخرجهم من عِداد مَنْ يَلعنه الله ويَلعنه اللاعنون (٣) = ولم يكن العتاب على تركهم تبيين التوبة بإخلاص العمل.
والذين استثنى اللهُ من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد

(١) انظر ما سلف ٢: ٥٤٩.
(٢) في المطبوعة: "في مثل هذه الآية"، وهو خطأ، والصواب ما أثبت.
(٣) في المطبوعة: "فأخرجهم من عذاب من يلعنه الله"، وهو تصحيف، صوابه ما أثبت.

صفحة رقم 260
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية