
قوله: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.
أي يطيل لهم في الأجل المكتوب لهم، وهم في طغيانهم يتحيرون. والطغيان والعتو والعلو بغير الحق، والعمه التحير.
وقيل: معنى ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يركبون رؤوسهم، فلا يبصرون رشدهم كما قال: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ﴾ [الملك: ٢٢] وهذا كله من صفات المنافقين عند أكثر المفسرين.
وقال الضحاك: " هو في اليهود ".
قوله: ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ الآية.
أي هؤلاء الذين تقدمت صفاتهم هم الذين باعوا الهدى بالضلالة لأنهم لَمَّا مَالُوا إلى الضلالة وتركوا الهدى، كانوا بمنزلة من باع شيئاً بشيء، فوصفوا بذلك.
وأصل الضلالة الحيرة، ويسمى الهالك التالف ضالاً نحو قوله: ﴿أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض﴾ [السجدة: ١٠] أي هلكنا وتلفنا. ومنه قوله: ﴿أَضَلَّ أعمالهم﴾ [محمد: ١]، أي أتلفها

وأهلكها وأبطلها. ومنه قوله: ﴿فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٤] أي لن يبطلها ويتلفها ويهلكها.
فكأن هؤلاء لما أخذوا الضلالة، وتركوا الهدى كانوا بمنزلة من لم يربح في تجارته، وأضاف الربح إلى التجارة لأن المعنى مفهوم وهو من اتساع العرب ومجازه. وهو كثير في القرآن أي في كتاب الله، إذ هو من كلام العرب، والقرآن نزل بكلامهم فلا ينكر أن يأتي القرآن بما هو في كلام العرب معروف مشهور إلا من عدم حسه وفارق فطنته، ومثله قولهم: " نَهَارُكَ صَائِمٌ وَلَيْلُكَ قَائِمٌ "، / ومنه قوله: ﴿بَلْ مَكْرُ اليل والنهار﴾ [سبأ: ٣٣]. وهو كثير في الكلام والقرآن.
وحركت الواو في " اشْتَرُوا " لسكونها، وسكون لام التعريف بعدها، وكان الضم أولى بها لأنها واو جمع، ولأن الضمة عليها أخف من الكسرة، ولأن لام الفعل المحذوفة قبلها كانت مضمومة. وأصله " اشتريوا " فقلبت / الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وحذفت الألف لسكونها وسكون الواو بعدها. وبقيت الفتحة تدل على الألف، ولم ترد الألف عند حركة الواو لأن حركتها عارضة ليست بلازمة.
ويجوز في الواو الكسر والفتح. ويجوز الهمز، وهو بعيد جداً.