آيات من القرآن الكريم

۞ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

بالجنة. واعلم أنه إنما أخبرهم بما سيصيبهم، ليوطنوا أنفسهم على الصبر، فيكون ذلك أبعد لهم من الجزع.
قالُوا إِنَّا لِلَّهِ، يريدون: نحن عبيده يفعل بنا ما يشاء، وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، يريدون: نحن مقرّون بالبعث والجزاء على أعمالنا، والثواب على صبرنا. قال سعيد بن جبير: لقد أُعطيتْ هذه الأمة عند المصيبة شيئاً لم يعطه الأنبياء قبلهم الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ. ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب، إِذ يقول: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ «١». قال الفراء: وللعرب في المصيبة ثلاث لغات: مصيبة، ومصابة، ومصوبة، زعم الكسائي أنه سمع أعرابياً يقول: جبر الله مصوبتك.
قوله تعالى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ. قال سعيد بن جبير: الصلوات من الله: المغفرة، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ بالاسترجاع. وقال عمر بن الخطاب: نعم العدلان، ونعمت العلاوة:
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧).
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٨ الى ١٥٩]
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩)
قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ. في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
(٥٦) أحدها: أن رجالاً من الأنصار ممن كان يهلُّ لمناة في الجاهلية- ومناة: صنم كان بين مكة والمدينة- قالوا: يا رسول الله! إنا كنا لا نطَّوف بين الصفا والمروة تعظيماً لمناة، فهل علينا من حرج أن نطوف بهما؟ فنزلت هذه الآية. رواه عروة عن عائشة.
(٥٧) والثاني: أن المسلمين كانوا لا يطوفون بين الصفا والمروة، لأنه كان على الصفا تماثيل وأصنام فنزلت هذه الآية. رواه عكرمة عن ابن عباس.

صحيح. أخرجه البخاري ١٧٩٠ ومسلم ١٢٧٧ وأبو داود ١٩٠١ وابن ماجة ٢٩٨٦ وابن خزيمة ٢٧٦٩ والطبري ٢٣٥٧ وابن حبان ٣٨٣٩ من طريق هشام بن عروة عن عروة عن عائشة.
- وأخرجه البخاري ١٦٤٣ ومسلم ١٢٧٧ والترمذي ٢٩٦٥ والنسائي ٥/ ٢٣٧- ٢٣٨ والحميدي ٢١٩ وأحمد ٦/ ١٤٤ وابن حبان ٣٨٤٠ عن الزهري عن عروة عن عائشة.
صحيح. أخرجه الحاكم ٢/ ٢٧٢ من طريق أبي مالك عن ابن عباس، وإسناده حسن في الشواهد، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وأخرجه ٢/ ٢٧١ من وجه آخر، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وأخرجه الطبري ٢٣٤٦ من وجه آخر، وفيه جابر الجعفي متروك، والحجة فيما تقدم.
__________
(١) يوسف: ٨٤.

صفحة رقم 125

(٥٨) وقال الشعبي: كان وثن على الصفا يدعى: إساف، ووثن على المروة يدعى: نائلة، وكان أهل الجاهلية يسعون بينهما ويمسحونهما، فلما جاء الإسلام كفوا عن السعي بينهما، فنزلت هذه الآية.
(٥٩) والثالث: أنّ الصحابة قالت للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة، وإن الله تعالى ذكر الطواف بالبيت، ولم يذكره بين الصفا والمروة، فهل علينا من حرج أن لا نطَّوَّف بهما، فنزلت هذه الآية. رواه الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن جماعة من أهل العلم.
قال إبراهيم بن السري: الصفا في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة التي لا تنبت شيئاً، وهو جمع، واحده صفاة وصفا، مثل: حصاة وحصى. والمروة: الحجارة اللينة، وهذان الموضعان من شعائر الله، أي: من أعلام متعبداته. وواحد الشعائر: شعيرة. والشعائر: كل ما كان من موقف أو مسعى أو ذبح.
والشعائر: من شعرت بالشيء: إذا علمت به، فسميت الأعلام التي هي متعبدات الله: شعائر. والحج في اللغة: القصد، وكذلك كل قاصد شيئاً فقد اعتمره. والجناح: الإثم، أخذ من جنح: إذا مال وعدل، وأصله من جناح الطائر، وإنما اجتنب المسلمون الطواف بينهما، لمكان الأوثان، فقيل لهم: إن نصب الأوثان بينهما قبل الإسلام لا يوجب اجتنابهما، فأعلم الله عزّ وجلّ أنه لا جناح في التطوف بهما، وأن من تطوع بذلك فان الله شاكر عليم. والشكر من الله، المجازاة والثناء الجميل، والجمهور قرءوا وَمَنْ تَطَوَّعَ بالتاء ونصب العين، منهم: ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وقرأ حمزة، والكسائي «يطوع» بالياء وجزم العين. وكذلك خلافهم في التي بعدها بآيات.
فصل: اختلفت الرواية عن إمامنا أحمد في السعي بين الصفا والمروة، فنقل الأثرم أن من ترك السعي لم يجزه حجه. ونقل أبو طالب: لا شيء في تركه عمداً أو سهواً، ولا ينبغي أن يتركه. ونقل الميموني أنه تطوّع «١».

مرسل، أخرجه الطبري ٢٣٤١ و ٢٣٤٢ و ٢٣٤٣ بسند صحيح عن الشعبي، وهذا مرسل.
هو عجز الحديث المتقدم برقم ٥٦.
__________
(١) قال القرطبي رحمه الله ٢/ ١٧٨: واختلف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة، فقال الشافعي وابن حنبل: هو ركن، وهو المشهور من مذهب مالك لقوله عليه السّلام: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي»، فمن تركه عامدا أو ناسيا رجع من بلده أو من حيث ذكر إلى مكة، فيطوف ويسعى لأن السعي لا يكون إلّا متصلا بالطّواف. وسواء عند مالك كان ذلك في حج أو عمرة وإن لم يكن في العمرة فرضا، فإن أصاب النساء فعليه عمرة وهدي عند مالك مع تمام مناسكه. وقال الشافعي: عليه هدي ولا معنى للعمرة إذا رجع وطاف وسعى. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشعبي: ليس بواجب فإن تركه أحد من الحاج حتى يرجع إلى بلاده جبره بالدم، لأنه سنة من سنن الحج. وهو قول مالك في العتبية. والصحيح ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى. وقال ابن كثير رحمه الله ١/ ١٩٩: إن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج كما هو مذهب الشافعي ومن وافقه ورواية عن أحمد وهو المشهور عن مالك. وقيل إنه واجب وليس بركن فإن تركه عمدا أو سهوا جبره بدم وهو رواية عن أحمد وبه يقول طائفة. وقيل: بل مستحب وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والشعبي ومن وافقهم واحتجوا بقوله تعالى فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً. والقول الأول أرجح لأنه عليه السّلام طاف بينهما وقال «لتؤخذوا عني مناسككم» فكل ما فعله في حجته تلك واجب لا بد من فعله في الحج إلّا ما خرج بدليل والله أعلم.

صفحة رقم 126
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية