آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي، وأنا معه، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا..»
والمراد: ذكر القلب الذي يجب استدامته في عموم الحالات.
وأما قوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ فهو تحذير من الله لهذه الأمة، حتى لا تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة، إذ كفرت بأنعم الله، فلم تستعمل العقل والحواس فيما خلقت من أجله، فسلبها ما وهبها.
الصبر على البلاء
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)
الإعراب:
أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ مرفوعان، لأن كل واحد منهما خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هم أموات، بل هم أحياء.
البلاغة:
أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ فيه إيجاز بالحذف، أي لا تقولوا: هم أموات، بل هم أحياء، وبين الأموات والأحياء طباق.
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ التنكير للتقليل.

صفحة رقم 37

صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ التضوين في الكلمة الأولى والأخيرة للتفخيم، وقوله: مِنْ رَبِّهِمْ لإظهار مزيد العناية بهم.
هُمُ الْمُهْتَدُونَ فيه قصر الصفة على الموصوف، أي لا مهتدي غيرهم.
المفردات اللغوية:
بِالصَّبْرِ الصبر: توطين النفس على احتمال المكاره، أي استعينوا على الآخرة بالصبر على الطاعة والبلاء. وَالصَّلاةِ خصّها بالذكر لتكررها وعظمها، والصلاة في اللغة: الدعاء، وهي من الملائكة: الاستغفار، ومن الله: الرحمة. مَعَ الصَّابِرِينَ أي معهم بالعون. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ لنمتحننّكم، من الابتلاء: وهو الاختبار والامتحان ليعلم ما يكون من حال المختبر، والمراد: نصيبنكم إصابة من يختبر أحوالكم، بالخوف من العدو: ضد الأمن، وَالْجُوعِ: القحط، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ: بالهلاك وَالْأَنْفُسِ بالقتل والموت والأمراض وَالثَّمَراتِ بالجوائح، أي لنختبرنكم، فننظر أتصبرون أم لا وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ على البلاء بالجنة. والمصيبة: كل ما يؤذي الإنسان في نفس أو مال أو أهل. ونقص الثمرات: قلتها.
صَلَواتٌ مغفرة، والصلاة من الله: التعظيم وإعلاء المنزلة. وَرَحْمَةٌ نعمة، والرحمة: اللطف بما يكون لهم من حسن العزاء والرضا بالقضاء.
سبب نزول الآية (١٥٤) :
نزلت في قتلى بدر، وكانوا بضعة عشر رجلا، ثمانية من الأنصار، وستة من المهاجرين، والسبب أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله: مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها، فأنزل الله هذه الآية. قال ابن عباس: قتل عمير بن الحمام ببدر، وفيه وفي غيره نزلت: وَلا تَقُولُوا... الآية.
التفسير والبيان:
كان تحويل القبلة فتنة للناس، لاختبارهم وتمييز المؤمن الحق من المنافق الكاذب، فهو نعمة وليس نقمة، ولكن السفهاء وأهل الكتاب استغلوا هذا الحادث العظيم، وقاموا بحملة من الافتراءات والوشايات لزرع الحقد والبغضاء في النفوس ضدّ المؤمنين، وقد علم الله أن ذلك يستتبع جهودا مكثفة منهم لتأليب

صفحة رقم 38

الناس على المؤمنين، وسيؤدي هذا إلى القتال حتما، ثم حدث القتال فعلا في سلسلة من المعارك الضارية.
فأبان سبحانه في هذه الآيات أن النعمة قد تقترن بالبلاء وألوان المصائب، ولكن لا دواء لتحمل المصيبة ومقاومة الأعداء من المشركين وأهل الكتاب إلا بالاستعانة بالصبر والصلاة، إذ في الصبر تقوية الإرادة وتحمل المشقة والثبات على المصاعب، وأن الله مع الصابرين، أي بالعون والنصرة والرعاية والتأييد، فلما فرغ سبحانه من بيان الأمر بالشكر، شرع في بيان الصبر، والإرشاد والاستعانة بالصبر والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكرها، أو في نقمة فيصبر عليها.
وأما الاستعانة بالصلاة فلأنها أم العبادات، وهي طريق الصلة بالله ومناجاته واستشعار هيبة الله وجلاله، وهي مفزع الخائفين، وسبيل تفريج كرب المكروبين، واطمئنان نفوس المؤمنين،
قال صلّى الله عليه وسلّم: «جعلت قرة عيني في الصلاة».
وإذا استعان المؤمن بالصبر والصلاة التي تملأ القلب خشية وخشوعا لله، وتبعد النفس عن الفواحش والمنكرات، هانت عليه المصاعب، وتحمّل كل شدة ومشقة، وقاوم كل عناء وكرب.
لذا أمر الله بهما فقال: استعينوا على نصر دينكم وشعائركم، وعلى كل ما تلاقونه من مكاره ومصائب، بالصبر الذي يتغلب به على كلّ مكروه، وبالصلاة التي تعزز الثقة بالله تعالى وتهوّن الخطوب. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [البقرة ٢/ ٤٥].
وإنما خصّ الصبر لأنه أشدّ شيء باطني على النفس، وخصّت الصلاة، لأنها

صفحة رقم 39

أشدّ عمل ظاهري على الإنسان، إذ فيها انقطاع عن الدنيا، واتجاه إلى الله،
وقد روي أنه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا حزبه أمر- اشتد عليه- فزع إلى الصلاة، وتلا هذه الآية.
إن الله ناصر الصابرين ومجيب دعائهم ومفرج كروبهم، والواقع أن الأعمال الفردية والأعمال الجماعية العظيمة لا تحقق ثمارها إلا بالثبات والكفاح الدائم، وعدة ذلك كله الصبر.
ولا تقولوا عن شهداء الكفاح والجهاد الخالص: إنهم أموات، بل هم أحياء في قبورهم حياة ذات طراز خاص ومعالم خاصة، ويرزقون رزقا على كيفية، الله أعلم بها، ولكنّا لا نستطيع إدراك حقيقة تلك الحياة بميزان الحسّ المشاهد، فهي حياة غيبية، في عالم آخر، وطراز آخر، وكلّ ما في الأمر أن الله تعالى أخبرنا عنها، فلا نبحث عنها، ويجب الإيمان بها، ويؤيد ذلك قوله تعالى:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً، بَلْ أَحْياءٌ، عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران ٣/ ١٦٩].
وفيما ذكر إشارة إلى أن المؤمن الذي يضحي بنفسه في سبيل نصر دينه ودعوة ربه هو من الشهداء الأبرار الذين يظفرون بجنان الخلد، وهم أحياء، أرواحهم في حواصل طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، كما ثبت في الحديث الصحيح.
ثم أقسم الله تعالى فقال: والله لنصيبنكم أيها المؤمنون بشيء قليل من خوف العدو في القتال، والجوع بالجدب والقحط، ونقص الأموال بضياعها، والأنفس بموتها بسبب الاشتغال بقتال الكفار وغيره، والثمرات بقلتها، وقال الشافعي:
بموت الأولاد، وولد الرجل: ثمرة قلبه، كما جاء في الخبر، وذلك لتهدأ قلوب المؤمنين، وتطمئن لما قد يفاجئهم به المستقبل من أحداث، وليرضوا بقضاء الله

صفحة رقم 40

وقدره، إذا تعرضوا لمصيبة، وحدث كل هذا، فكان المؤمن يصبح فقيرا حينما يؤمن وتهجره أسرته، أو يخرج من دياره وماله حينما هاجروا إلى المدينة وتركوا مكة، وكان المقاتل يتبلغ بتمرات يسيرات، في أثناء الذهاب إلى المعارك، ولا سيما في غزوتي الأحزاب وتبوك، وكان يعاني المرض ويتعرض للموت حينما استقر في المدينة وأصابه وباؤها وحمياتها التي كانت فيها، ثم حسن مناخها.
وبشر الصابرين الذين يؤمنون بالقضاء والقدر، ولكن لا تتحقق البشار:
إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، وهم يحتسبون الأجر عند الله قائلين: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وتلك بشارة بحسن العاقبة في أمورهم، فيوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، ولهم من ربهم مغفرة لسيئاتهم، ورحمة خاصة بهم يجدون أثرها في برد القلوب وسكينة النفس عند نزول المصيبة. وهذه الرحمة يحسد عليها الكافرون المؤمنين، لأن الكافر تضيق به الدنيا إذا نزلت به المصيبة، وقد يقتل نفسه، وما أكثر حوادث الانتحار في أوربا وأمريكا!! والصابرون بحق: هم المهتدون إلى الحق والصواب ونافع الأفعال، وهم الذين فازوا بخيري الدنيا والآخرة. والصبر يكون عند الصدمة الأولى
لحديث البخاري عن أنس: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى».
والبكاء أو الحزن مع الرضا والتسليم للقضاء والقدر لا ينافي الصبر والإيمان،
فقد جاء في الصحيحين أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم بكى حينما مات ولده إبراهيم، فقيل له:
أليس قد نهيتنا عن ذلك؟ قال: إنها الرحمة، ثم قال: «إن العين لتدمع، وإن القلب ليجزع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
والمذموم: هو فعل ما نهى عنه الشرع من لطم الخدود وشقّ الجيوب والدعاء بدعوة الجاهلية من النواح المحرم على الأموات، وفعل ما يستقبحه العقل من التفوه بكلمات تعبر عن السخط والاعتراض على ما قدّر الله وحكم به.

صفحة رقم 41

وقد وردت أحاديث وآثار كثيرة في الصبر وحدوده وقيوده والاسترجاع عند المصيبة، منها ما
رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون «١»، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا منها».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته، وأحسن عاقبته، وجعل له خلفا صالحا يرضاه».
وأخرج أحمد والترمذي عن أبي موسى أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول:
قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون:
حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسمّوه بيت الحمد»
.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ما أصابتني مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نعم: الأولى- أنها لم تكن في ديني، الثانية- أنها لم تكن أعظم مما كانت، الثالثة- أن الله يجازي عليها الجزاء الكبير»، ثم تلا قوله تعالى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
والخلاصة: إن الآيات والأحاديث التي وضعت نظام الدين حضت على الصبر والاسترجاع والقول بما يرضي الله، والاستسلام لقضاء الله وقدره، والرضا بحكمه، فحينئذ يجبر الله المصيبة، بأن يعوض خيرا منها، ويثاب الصابر بالقبول الحسن عند الله والفوز بالجنة.

(١) إِنَّا لِلَّهِ إقرار بالعبودية والملك، وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار بالفناء والبعث من القبور. [.....]

صفحة رقم 42

فقه الحياة أو الأحكام:
الدنيا دار ابتلاء واختبار، والبلاء يكون حسنا، ويكون سيئا، وأصله المحنة، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء ٢١/ ٣٥] وقال:
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً [الأنفال ٨/ ١٧] والله عزّ وجلّ يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره، فقيل للحسن بلاء، وللسيء بلاء. وتؤكد الآية (١٥٥) أن الامتحان قائم، والمعنى لنمتحننّكم حتى نعلم المجاهد والصابر علم معاينة، حتى يقع عليه الجزاء.
والصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدلّ على قوة القلب وثباته في مقام الصبر، وهو معنى
حديث أنس المتقدم: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى».
وأما إذا بردت حرارة المصيبة، فكل أحد يصبر إذ ذاك.
والصبر صبران: صبر عن معصية الله، فصاحبه مجاهد، وصبر على طاعة الله، فصاحبه عابد، والثاني أكثر ثوابا، لأنه المقصود. فإذا صبر عن معصية الله، وصبر على طاعة الله، أورثه الله الرضا بقضائه. وعلامة الرضا: سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات: وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب فذاك أيضا واجب كالاستغفار من المعايب.
وإذا أصيب المؤمن بمصيبة: وهي النكبة التي تصيب الإنسان، وإن صغرت، قال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
روى عكرمة أن مصباح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انطفأ ذات ليلة، فقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقيل:
أمصيبة هي يا رسول الله؟ قال: «نعم، كل ما آذى المؤمن فهو مصيبة»
فالمصيبة إذن: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه،
وروى مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما يصيب المسلم من

صفحة رقم 43

وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهمّ يهمّه «١» إلا كفّر به من سيئاته».
ومن أعظم المصائب: المصيبة في الدين،
أخرج السمرقندي أبو محمد في مسنده عن عطاء بن أبي رباح، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أصاب أحدكم مصيبة، فليذكر مصابه بي، فإنها من أعظم المصائب».
قال ابن عبد البر:
وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأن المصيبة به أعظم من كلّ مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي، وماتت النّبوة.
وكان أول ظهور الشرّ بارتداد العرب وتوابعه، وكان المصاب بالنبي أول انقطاع الخير وأول نقصانه.
والاسترجاع تسليم وإذعان وهو قوله تعالى: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وقد جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين، لما جمعت من المعاني المباركة، فإن قوله: إِنَّا لِلَّهِ توحيد وإقرار بالعبودية والملك، وقوله: وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار بالهلاك على أنفسنا والبعث من قبورنا، واليقين أن مرجع الأمر كله لله تعالى. قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل نبينا، ولو عرفها يعقوب، لما قال:
يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف ١٢/ ٨٤].
وبشارة الصابرين: إما بالخلف، كما أخلف الله لأم سلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنه تزوجها لما مات زوجها أبو سلمة، وإما بالثواب الجزيل، كما في حديث أبي موسى المتقدّم المتضمن بناء بيت في الجنة يسمى بيت الحمد للصابرين.
وقد أنعم الله على الصابرين المسترجعين بنعم عظمي هي المغفرة والرحمة،

(١) أي يغمّه.

صفحة رقم 44
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية