
أذكركم بالعفو، اذكروني بالتعظيم أذكركم بالتكريم، اذكروني بالتكبير أذكركم بالتطهير، اذكروني بالتمجيد أذكركم بالمزيد، اذكروني بالمناجاة أذكركم بالنجاة، اذكروني بترك الجفاء أذكركم بحفظ الوفاء، اذكروني بترك الخطأ أذكركم بحفظ الوفاء، اذكروني بالجهد بالخلقة أذكركم بإتمام النعمة، اذكروني من حيث أنتم أذكركم من حيث أنا وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.
الربيع في هذه الآية: إنّ الله ذاكر من ذكره، وزائدا من شكره، ومعذّب من كفره.
وقال السّدي: فيها ليس من عبد يذكر الله إلّا ذكره الله. لا يذكره مؤمن إلّا ذكره بالرّحمة، ولا يذكره كافر إلّا يذكره بعذاب.
وقال سفيان بن عيينة: بلغنا إنّ الله عزّ وجلّ قال: أعطيت عبادي ما لو أعطيته جبرئيل وميكائيل كنت قد أجزلت لهما قلت: اذكروني أَذْكُرْكُمْ، وقلت لموسى: قل للظلمة لا يذكروني فإني أذكر من ذكرني، فإنّ ذكري إياهم أن العنهم.
وقال أبو عثمان النهدي: إنّي لأعلم حين يذكرني ربّي عزّ وجلّ، قيل: كيف ذلك؟
قال: إنّ الله عزّ وجلّ قال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وإذا ذكرت الله تعالى ذكرني.
وَاشْكُرُوا لِي «١» نعمتي.
وَلا تَكْفُرُونِ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالعون والنصرة.
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ نزلت في قتلى بدر مع المسلمين، وكانوا أربعة عشر رجلا منهم ثمانية من الأنصار وستّة من المهاجرين وذلك إنّ النّاس كانوا يقولون: الرّجل يقتل في سبيل الله: مات فلان، وذهب منه نعيم الدّنيا ولذّتها، فأنزل الله تعالى وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ أي هم أموات بل إنهم أحياء.
بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ إنّهم كذلك
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أرواح الشهداء في

أجواف طير خضر تسرح في ثمار الجنّة، وتشرب من أنهارها، وتأوي بالليل إلى قناديل من نور معلقة تحت العرش» [٧] «١».
وقال الحسن: إن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الرّوح والفرح، كما تعرض النّار على أرواح آل فرعون غداة وعشيا فيصل إليهم الوجع.
وقال أبو سنان السّلمي: أرواح الشهداء في قباب بيض من باب الجنّة في كلّ قبّة زوجتان، رزقهم في كلّ يوم طلعت فيه الشمس نور وحوت، فأما النور: ففيه طعم كلّ ثمرة في الجنة وامّا الحوت: ففيه طعم كلّ شراب في الجنّة.
قال قتادة في هذه الآية: كنّا نحدّث إنّ أرواح الشهداء تعارف في طير بيض يأكلن من ثمار الجنّة وإنّ مساكنهم السدرة المنتهى، وإنّ للمجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ ثلاث خصال: من قتل في سبيل الله منهم صار حيّا مرزوقا، ومن غلب أتاه الله أجرا عظيما، ومن مات رزقه الله رزقا حسنا.
عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه يكفّر عنه كل خطيئة ويرى مقعده من الجنّة ويزوّج من الحور العين ويؤمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر ويحلّى بحلية الإيمان» [٨] «٢».
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ولنختبرنّكم يا أمّة محمّد.
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ الآية، قال ابن عبّاس: الخوف يعني خوف العدو، والجوع يعني المجاعة والقحط.
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ يعني الخسران والنّقصان في المال، وهلاك المواشي وَالْأَنْفُسِ يعني الموت والقتل، وقيل: المرض وقيل: الشيب.
وَالثَّمَراتِ يعني [الحوائج]، وأن لا تخرج الثمرة كما كانت تخرج، وقال الشافعي:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ يعني خوف الله عزّ وجلّ وَالْجُوعِ صيام شهر رمضان، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ أداء الزّكاة والصّدقات، وَالْأَنْفُسِ الأمراض، وَالثَّمَراتِ موت الأولاد لأن ولد الرجل ثمرة قلبه يدلّ عليه ما
روى عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمه عن أبي سنان قال: دفنت ابني سنانا، وأبو طلحه الخولاني على شفير القبر جالس، فلمّا أردت الخروج أخذ بيدي فانشطني وقال: ألا أبشّرك يا أبا سنان؟
(٢) مسند أحمد: ٤/ ٢٠٠، ومجمع الزوائد: ٥/ ٢٩٣.

قلت: بلى. قال: حدّثنا الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري: إنّ رسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات ولد العبد قال الله عزّ وجلّ للملائكة أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون:
نعم فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟
فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله عزّ وجلّ: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسمّوه بيت الحمد» [٩] «١».
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ على البلايا والرّزايا ثمّ نعتهم فقال: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ عبيدا تجمع وملكا.
وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ في الآخرة أمال نصير النّون في قوله إِنَّا لِلَّهِ، فأمال قتيبة النون واللام جميعا فخمها الباقون، وقال أبو بكر الورّاق: إِنَّا لِلَّهِ: اقرار منّا له بالملك وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ: في الآخرة إقرار على أنفسنا بالهلاك.
قال عكرمة: طفى سراج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقيل: يا رسول الله أمصيبة هي؟
قال: نعم كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة» [١٠] «٢».
قال سعيد بن جبير: ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطي لأحد لأعطي يعقوب عليه السّلام ألّا تسمع إلى قوله في فقد يوسف يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ «٣».
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه» [١١] «٤».
وعن فاطمة بنت الحسين عن أمّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وان تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب» [١٢] «٥».
أُولئِكَ أي أهل هذه الصفة.
عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ قال ابن عبّاس: مغفرة مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ونعمة.
ابن كيسان: الصلوات هاهنا الثناء والرّحمة والتزكية وإنّما ذكر الصلاة والرحمة ومعناهما
(٢) الجامع الصغير: ٢/ ٢٨٢ ح ٦٣٢٣ وفيه: ساء المؤمن، كنز العمال: ٣/ ٢٩٨ ح ٦٦٣٩.
(٣) سورة يوسف: ٨٤.
(٤) العهود المحمدية: ٥٩٧، وكنز العمال: ٣/ ٣٠٠ ح ٦٦٥٠.
(٥) الجامع الصغير: ٢/ ٥٧٣ ح ٨٤٥٩، وكنز العمال: ٣/ ٢٦٤ ح ٦٤٧١.