آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

كَانُوا يَدْعُونَ فِي السِّرِّ إِلَى تَكْذِيبِهِ، وَجَحْدِ الْإِسْلَامِ، وَإِلْقَاءِ الشُّبَهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَالْأَقْرَبُ فِي مُرَادِهِمْ أَنْ يَكُونَ نَقِيضًا لِمَا نُهُوا عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ هُوَ الْإِفْسَادَ فِي الْأَرْضِ كَانَ قَوْلُهُمْ: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ كَالْمُقَابِلِ لَهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا فِي دِينِهِمْ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ، وَكَانَ سَعْيُهُمْ لِأَجْلِ تَقْوِيَةِ ذَلِكَ الدِّينِ، لَا جَرَمَ قَالُوا: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، لِأَنَّهُمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ مَا سَعَوْا إِلَّا لِتَطْهِيرِ وَجْهِ الْأَرْضِ عَنِ الْفَسَادِ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّا إِذَا فَسَّرْنَا لَا تُفْسِدُوا بِمُدَارَاةِ الْمُنَافِقِينَ لِلْكُفَّارِ/ فَقَوْلُهُمْ: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ يَعْنِي بِهِ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَارَاةَ سَعْيٌ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَلِذَلِكَ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً [النِّسَاءِ: ٦٢] فَقَوْلُهُمْ: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَيْ نَحْنُ نُصْلِحُ أُمُورَ أَنْفُسِنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَجَبَ إِجْرَاءُ حُكْمِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ، وَتَجْوِيزُ خِلَافِهِ لَا يَطْعَنُ فِيهِ، وَتَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ مَقْبُولَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ فَخَارِجٌ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ مُفْسِدُونَ لِأَنَّ الْكُفْرَ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، إِذْ فِيهِ كُفْرَانُ نِعْمَةِ اللَّهِ، وَإِقْدَامُ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى مَا يَهْوَاهُ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُودَ الْإِلَهِ وَلَا يَرْجُو ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا تَهَارَجَ النَّاسُ، وَمِنْ هَذَا ثَبَتَ أَنَّ النِّفَاقَ فَسَادٌ، وَلِهَذَا قَالَ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ على ما تقدم تقريره.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٣]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ قَبَائِحِ أَفْعَالِ الْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا نَهَاهُمْ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ أَمَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِيمَانِ، لِأَنَّ كَمَالَ حَالِ الْإِنْسَانِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: تَرْكُ مَا لَا يَنْبَغِي وَهُوَ قَوْلُهُ: آمِنُوا وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: قوله: آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ أَيْ إِيمَانًا مَقْرُونًا بِالْإِخْلَاصِ بَعِيدًا عَنِ النِّفَاقِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْرَارِ إِيمَانٌ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِيمَانًا لَمَا تَحَقَّقَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ إِلَّا إِذَا حَصَلَ فِيهِ الْإِخْلَاصُ، فَكَانَ قَوْلُهُ: آمِنُوا كَافِيًا فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ، وَكَانَ ذِكْرُ قَوْلِهِ: كَما آمَنَ النَّاسُ لَغْوًا، وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْإِيمَانَ الْحَقِيقِيَّ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِهِ الْإِخْلَاصُ، أَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِإِقْرَارِ الظَّاهِرِ فَلَا جَرَمَ افْتَقَرَ فِيهِ إِلَى تَأْكِيدِهِ بِقَوْلِهِ: كَما آمَنَ النَّاسُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اللَّامُ فِي النَّاسُ فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لِلْعَهْدِ أَيْ كَمَا آمَنَ رَسُولُ اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ، وَهُمْ نَاسٌ مَعْهُودُونَ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَشْيَاعُهُ. لِأَنَّهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ والثاني: أنها للجنس ثم ها هنا أَيْضًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ أَكْثَرُهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ كَانُوا، مِنْهُمْ وَكَانُوا قَلِيلِينَ، وَلَفْظُ الْعُمُومِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ/ النَّاسُ فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَعْطَوُا الْإِنْسَانِيَّةَ حَقَّهَا لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ بِالْعَقْلِ الْمُرْشِدِ والفكر الهادي.
المسألة الثالثة: القائل: آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ إِمَّا الرَّسُولُ، أَوِ الْمُؤْمِنُونَ، ثُمَّ كَانَ بَعْضُهُمْ يقول لبعض:

صفحة رقم 307
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية