
منتهاه ذكر المنافقين وهم: المؤمنون في الظاهر الكافرون في الباطن، وهم شر من الكافرين البالغين في الكفر أشده.
أخبر تعالى أن فريقاً من الناس وهم المنافقون١ يدَّعون الإيمان بألسنتهم ويضمرون الكفر في قلوبهم يخادعون٢ الله والمؤمنين بهذا النفاق. ولما كانت عاقبة خداعهم عائدة عليهم. كانوا بذلك خادعين أنفسهم لا غيرهم ولكنهم لا يعلمون ذلك ولا يدرون به.
كما أخبر تعالى أن في قلوبهم مرضا وهو الشك والنفاق والخوف، وأنه زادهم مرضاً عقوبة لهم في الدنيا وتوعدهم بالعذاب الأليم في الآخرة بسبب كذبهم وكفرهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
التحذير من الكذب والنفاق والخداع، وأن عاقبة الخداع تعود على صاحبها كما أن السيئة لا يتولد عنها إلا سيئة مثلها.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) ﴾
شرح الكلمات:
الفساد في الأرض: الكفر وارتكاب المعاصي فيها.
الإصلاح في الأرض: يكون بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، وترك الشرك والمعاصي.
﴿لا يشعرون﴾ : لا يدرون ولا يعلمون.
﴿السفهاء﴾ : جمع سفيه: خفيف العقل لا يحسن التصرف والتدبير.
٢ الخدع: أصله الإخفاء والفساد، ومنه مخدع البيت الذي تخفى فيه الأشياء، والخادع والخادع بمعنى واحد: وهو أن يظهر بقوله أو فعله إنه يريد النفع وهو يريد الضر، وهو حرام إلا في الحرب فإنه جائز.

معنى الآيات:
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا١ قال لهم أحد المؤمنين لا تفسدوا٢ في الأرض بالنفاق وموالاة اليهود والكافرين ردوا عليه قائلين: إنما نحن٣ مصلحون في زعمهم، فأبطل الله تعالى هذا الزعم وقرر أنهم هم وحدهم المفسدون لا من عرضوا بهم من المؤمنين، إلا أنهم لا يعلمون ذلك لاستيلاء الكفر على قلوبهم. كما أخبر تعالى عنهم بأنهم إذا قال لهم أحد المؤمنين صدقوا في إيمانكم وآمنوا إيمان فلان وفلان مثل: عبد الله بن سلام. ردوا قائلين: أنؤمن٤ إيمان السفهاء الذين لا رشد لهم ولا بصيرة٥ فرد الله تعالى عليهم دعواهم وأثبت السفه لهم ونفاه عن المؤمنين الصادقين ووصفهم بالجهل وعدم العلم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- ذم الادعاء الكاذب وهو لا يكون غالباً إلا من صفات المنافقين.
٢- الإصلاح في الأرض يكون بالعمل بطاعة الله ورسوله، والإفساد فيها يكون بمعصية الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
العاملون بالفساد في الأرض يبررون دائماً إفسادهم بأنه إصلاح وليس بإفساد.
﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) ﴾
٢ إذا: هنا ليست شرطية بل لمطلق الظرفية.
٣ قولهم: إنما نحن مصلحون: لا ذم فيه، وإنما جاءه الذم من كونهم مفسدين وادعوا إنه مصلحون.
٤ الاستفهام هنا: إنكاري، أي: إذا دعوا إلى الإيمان أنكروا دعوة من دعاهم طاعنين في إيمان المؤمنين، إذ نسبوهم إلى السفه، وهو خفة العقل، وقلة إدراك الأمور مبادئ وعواقب.
٥ أي: بقوله: ألا إنهم هم السفهاء، فبرأ المؤمنين من هذا العيب ووصم به المنافقين، وهم أهله حقاً، فإنه لا سفه أكبر من الكفر بالحق والإيمان بالباطل.