آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﱿ

وَمَشَى أَرْبَعًا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ عَمَدَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَرَأَ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» وَفِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْأُمَّهَاتِ وَغَيْرِهَا، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى: أَنَّ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُومُ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَمَّا ارْتَفَعَ الْجِدَارُ، أَتَاهُ إِسْمَاعِيلُ بِهِ لِيَقُومَ فَوْقَهُ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ مُلْصَقًا بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ.
وَأَوَّلُ مَنْ نَقَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، كَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي وَصْفِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: هَذَا مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ». وأخرج نحوه ابن مردويه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٥ الى ١٢٨]
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)
قَوْلُهُ: عَهِدْنا مَعْنَاهُ هُنَا: أَمَرْنَا أو أوجبنا. وَقَوْلُهُ: أَنْ طَهِّرا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: بِأَنْ طَهِّرَا، قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ بِتَقْدِيرِ أَيْ الْمُفَسِّرَةِ، أَيْ: أَنْ طَهِّرَا، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّطْهِيرِ: قِيلَ: مِنَ الْأَوْثَانِ وَقِيلَ: مِنَ الْآفَاتِ وَالرِّيَبِ وَقِيلَ: مِنَ الْكُفَّارِ وَقِيلَ:
مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَطَوَافِ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، وَكُلِّ خَبِيثٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى التَّطْهِيرِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُهُ إِمَّا تَنَاوُلًا شُمُولِيًّا أَوْ بَدَلِيًّا، وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ: بَيْتِيَ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَهِشَامٌ، وَحَفْصٌ: بَيْتِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِإِسْكَانِهَا. وَالطَّائِفُ: الَّذِي يَطُوفُ بِهِ وَقِيلَ: الْغَرِيبُ الطَّارِئُ عَلَى مَكَّةَ. وَالْعَاكِفُ:
الْمُقِيمُ، وَأَصِلُ الْعُكُوفِ فِي اللُّغَةِ: اللُّزُومُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ وَقِيلَ: هُوَ الْمُجَاوِرُ دُونَ الْمُقِيمِ مِنْ أَهْلِهَا. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الرُّكَّعِ السُّجُودِ الْمُصَلُّونَ، وَخَصَّ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَشْرَفُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ سَتَأْتِي الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ مَكَّةَ، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الله حرّمها يوم خلق السموات وَالْأَرْضِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي هَذَا الْبَحْثِ. وَقَوْلُهُ: بَلَداً آمِناً أَيْ: مَكَّةَ وَالْمُرَادُ: الدُّعَاءُ لِأَهْلِهِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَغَيْرِهِمْ كَقَوْلِهِ: عِيشَةٍ راضِيَةٍ «١» أَيْ: رَاضٍ صَاحِبُهَا.
وَقَوْلُهُ: مَنْ آمَنَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلَهُ، أَيِ: ارْزُقْ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِهِ دُونَ مَنْ كَفَرَ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ كَفَرَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الله سبحانه ردّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ طَلَبَ الرِّزْقَ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، أَيْ:
وَأَرْزُقُ مَنْ كَفَرَ، فَأُمَتِّعُهُ بِالرِّزْقِ قَلِيلًا، ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بَيَانًا لِحَالِ مَنْ كَفَرَ، وَيَكُونَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ عَنْ حَالِ الْكَافِرِينَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ أَيْ: مَنْ كَفَرَ فإني أمتعه

(١). الحاقة: ٢١.

صفحة رقم 164

فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنَ الرِّزْقِ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ بَعْدَ هَذَا التَّمْتِيعِ إِلى عَذابِ النَّارِ فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَنَالُ الْكَفَرَةَ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا تَمْتِيعُهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مَا هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ، وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: فَأُمَتِّعُهُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَكَذَلِكَ له: ثُمَّ أَضْطَرُّهُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ دَعَا لِلْكَافِرِينَ بِالْإِمْتَاعِ قَلِيلًا، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَضْطَرَّهُمْ إِلَى عَذَابِ النَّارِ. وَمَعْنَى: أَضْطَرُّهُ: أَلْزَمَهُ حَتَّى صَيَّرَهُ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ لَا يَجِدُ عَنْهُ مُخَلِّصًا، ولا منه متحوّلا. وقوله: وَإِذْ يَرْفَعُ هُوَ حِكَايَةٌ لِحَالٍ مَاضِيَةٍ اسْتِحْضَارًا لِصُورَتِهَا الْعَجِيبَةِ.
وَالْقَوَاعِدُ: الْأَسَاسُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ الْجُدُرُ. وَالْمُرَادُ بِرَفْعِهَا: رَفْعُ مَا هُوَ مَبْنِيٌّ فَوْقَهَا، لَا رَفْعُهَا فِي نَفْسِهَا، فَإِنَّهَا لَمْ تَرْتَفِعْ، لَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْبِنَاءِ الْمُرْتَفِعِ فَوْقَهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا مُرْتَفِعَةٌ بِارْتِفَاعِهِ، كَمَا يُقَالُ: ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، وَلَا يقال: ارتفع أعالي البناء، ولا أسافله. وقوله: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا فِي مَحَلِّ الْحَالِ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: قَائِلِينَ: رَبَّنَا. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وإسماعيل ويقولان ربنا تقبل». وَقَوْلُهُ: وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ أَيِ: اجْعَلْنَا ثَابِتَيْنِ عَلَيْهِ، أَوْ زِدْنَا مِنْهُ. قِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ هُنَا: مَجْمُوعُ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ. وَقَوْلُهُ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أي: واجعل من ذريتنا، و «من» لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لِلتَّبْيِينِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّهُ أَرَادَ بِالذُّرِّيَّةِ: الْعَرَبَ خَاصَّةً، وَكَذَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ ظَهَرَتْ فِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ. وَالْأُمَّةُ: الْجَمَاعَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً «١» وَتُطْلَقُ عَلَى الدِّينِ وَمِنْهُ: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ «٢» وَتُطْلَقُ عَلَى الزَّمَانِ، وَمِنْهُ: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ «٣» وَقَوْلُهُ: وَأَرِنا مَناسِكَنا هِيَ مِنَ الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ. وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَغَيْرِهِمْ:
«أَرْنَا» بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَرْنَا إِدَاوَةَ عبد الله نملؤها مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ ظَمِئُوا
وَالْمَنَاسِكُ: جَمْعُ نُسُكٍ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْغَسْلُ، يُقَالُ نَسَكَ ثَوْبَهُ: إِذَا غَسَلَهُ. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِلْعِبَادَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنَاسِكُ الْحَجِّ وَقِيلَ: مَوَاضِعُ الذَّبْحِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ الْمُتَعَبَّدَاتِ. وَقَوْلُهُ: وَتُبْ عَلَيْنا قِيلَ الْمُرَادُ بِطَلَبِهِمَا لِلتَّوْبَةِ: التَّثْبِيتُ. لِأَنَّهُمَا مَعْصُومَانِ لَا ذَنْبَ لَهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ: تُبْ عَلَى الظَّلَمَةِ مِنَّا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ أَيْ: أَمَرْنَاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ قَالَ: مِنَ الْأَوْثَانِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ، وَزَادُوا: الرَّيْبَ، وَقَوْلَ الزُّورِ، وَالرِّجْسَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا كَانَ قَائِمًا فَهُوَ مِنَ الطَّائِفِينَ، وَإِذَا كَانَ جَالِسًا فَهُوَ مِنَ الْعَاكِفِينَ، وَإِذَا كَانَ مُصَلِّيًا فَهُوَ مِنَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الَّذِينَ يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: هُمُ الْعَاكِفُونَ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، فَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا وَلَا يُقْطَعُ عضاهها» كما أخرجه أحمد، ومسلم، والنسائي،
(١). النحل: ١٢٠.
(٢). الزخرف: ٢٢.
(٣). يوسف: ٤٥.

صفحة رقم 165

وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: رَافِعُ ابن خَدِيجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ: أَبُو قَتَادَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمِنْهُمْ: أَنَسٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَمِنْهُمْ: أَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَمِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ، وَمِنْهُمْ: أسامة عن زَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ، وَمِنْهُمْ: عَائِشَةُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يوم خلق السّموات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة» وأخرجه الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ. وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بَلَّغَ النَّاسَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ حَرَمًا آمِنًا، نَسَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ حَرَّمَهَا، أَيْ: أَظْهَرَ لِلنَّاسِ حُكْمَ اللَّهِ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا الْجَمْعِ ذَهَبَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَابْنُ كَثِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّهَا كَانَتْ حَرَامًا وَلَمْ يَتَعَبَّدِ اللَّهُ الْخَلْقَ بِذَلِكَ حَتَّى سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ فَحَرَّمَهَا وَتَعَبَّدَهُمْ بِذَلِكَ. انْتَهَى. وَكِلَا الْجَمْعَيْنِ حَسَنٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِلْحَرَمِ فَقَالَ: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ نَقَلَ اللَّهُ الطَّائِفَ مِنْ فِلَسْطِينَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْأَزْرَقِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا الْأَزْرَقِيُّ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ نافع ابن جبير بن مطعم. وقد أخرج الأزرقي نحوه مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَرَكَ الْكُفَّارَ وَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ بِشَيْءٍ، قَالَ اللَّهُ: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ قال: كأنّ إبراهيم احتجرها عَلَى الْمُؤْمِنِينَ دُونَ النَّاسِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
وَمَنْ كَفَرَ أَيْضًا فَأَنَا أَرْزُقُهُمْ كَمَا أَرْزُقُ الْمُؤْمِنِينَ أَخْلُقُ خَلْقًا لَا أَرْزُقُهُمْ! أُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابِ النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ «١» الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ أبي الْعَالِيَةِ قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ كَفَرَ أَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الرَّبِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
هَذَا مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنَّ مَنْ كَفَرَ فَأَمْتِعْهُ قَلِيلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْقَوَاعِدُ:
أَسَاسُ الْبَيْتِ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قِصَّةً مُطَوَّلَةً وَآخِرُهَا فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ: قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بالحجارة وإبراهيم بيني حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضْعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ قَالَ: الْقَوَاعِدُ الَّتِي كَانَتْ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ نَقْلِ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي كَيْفِيَّةِ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَمِنْ أَيِّ أَحْجَارِ الْأَرْضِ بُنِيَ؟ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ عُرِفَ؟ وَمَنْ حجّه؟ وما ورد فيه من الأدلة على فضله، أو فضل بعضه بالحجر الْأَسْوَدِ. وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِهِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ بَعْضٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرُوهُ مُتَعَلِّقًا بِالتَّفْسِيرِ لَمْ نَذْكُرْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَلَّامِ بن أبي مطيع في هذه الآية:

(١). الإسراء: ٢٠.

صفحة رقم 166
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
الناشر
دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت
سنة النشر
1414
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية