
هداية الآية:
من هداية الآية:
١- الإمامة لا تنال إلا بصحة اليقين١ والصبر على سلوك سبيل المهتدين.
٢- مشروعية ولاية العهد، بشرط أن لا يعهد إلا إلى من كان على غاية من الإيمان والعلم والعمل والعدل والصبر.
٣- القيام بالتكاليف الشرعية قولاً وعملاً٢ يؤهل لأن يكون صاحبه قدوة صالحة للناس.
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً٣ لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) ﴾
شرح الكلمات:
البيت: الكعبة التي هي البيت الحرام بمكة المكرمة.
مثابة: مرجعاً يثوب إليه العمار والحجاج.
أمناً: مكاناً آمناً يأمن فيه كل من دخله
مقام إبراهيم: الحجر الذي كان قد قام عليه إبراهيم أيام كان يبني البيت وذلك أنه لما ارتفع البناء احتاج إبراهيم إلى حجر عال يرقى عليه ليواصل بناء الجدران، فجيء بهذا الحجر فقام عليه فسمي مقام إبراهيم.
٢ هذا مستفاد من قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾.
٣ مثابة: أصله: ثاب مصدر ثاب يثوب مثاباً، وزيدت فيه التاء للمبالغة كما زيدت في علامة ونسابة، ويشهد لهذا قول الشاعر:
جعل البيت مثابة لهم...
ليس منه الدهر يقضون الوطر

مصلى: مكاناً يصلى فيه أو عنده أو إليه.
عهدنا: وصينا وأمرنا.
تطهير البيت: تنزيه عن الأقذار الحسية؛ كالدماء والأبوال. ومعنوية؛ كالشرك والبدع والمفاسد.
اضطره: ألجأه مكرهاً إلى العذاب.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في تذكير المشركين وأهل الكتاب معاً بأبي الأنبياء وإمام الموحدين إبراهيم عليه السلام، ومآثره الطيبة الحميدة، ومواقفه الإيمانية العظيمة ليتجلى بذلك بطلان دعوى كل من أهل الكتاب والمشركين في انتسابهم إلى إبراهيم كذباً وزوراً، إذ هو موحد وهم مشركون، وهو مؤمن وهم كافرون، فقال تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذكر لهم كيف جعلنا البيت مثابة للناس١ يثوبون إليه في كل زمان حجاجاً وعماراً، وأمناً دائماً من دخله، أمن على نفسه وماله وعرض. وقلنا لمن حجوا البيت أو اعتمروا اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، فكان من سنة من طاف بالبيت أن يصلي خلف المقام ركعتين، كما أوصينا٢ من قبل إبراهيم وولده إسماعيل بتطهير البيت من كل رجز معنوياً؛ كالأصنام وعبادة غير الله تعالى، أو حسياً؛ كالأقذار والأوساخ من دم أو بول حتى يتمكن الطائفون والعاكفون٣ والمصلون من آداء هذه العبادات بلا أي أذى يلحقهم أو يضايقهم.
هذه ما تضمنته الآية الأولى (١٢٥)، أما الآية الثانية (١٢٦) فقد تضمنت أمر الله تعالى لرسوله أن يذكر دعوة إبراهيم ربه بأن يجعل بلداً آمنا٤ من دخله يأمن فيه٥ على نفسه وماله وعرضه، وأن يرزق أهله وسكانه المؤمنين من الثمرات وأن الله قد استجاب لإبراهيم دعوته إلا إن الكافرين لا يحرمون الرزق في الدنيا ولكن يحرمون الجنة في الدار الآخرة حيث
٢ الآية وعهدنا: إلا إن الوعد المؤكد وقوعه يصير عهداً، فإن عدي بإلى صار وصية، فلذا فسرنا: العهد، هنا بالوصية.
٣ العكوف: ملازمة المسجد للصلاة والعبادة، والعاكفون الملازمون للمسجد الحرام من ساكن مكة وغريب.
٤ الجمهور على أن الحدود تقام على أصحابها في الحرم، وخالف أبو حنيفة في هذا، وقول الجمهور أصح وعليه العمل. فقد روى البخاري أن عمر بن سعيد قال: "إن الحرم لا يعيذ عاصياً، ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخربة".
٥ هل كانت مكة حراماً قبل دعوة إبراهيم أو بعد دعوته خلاف، ويشهد لقولها ما كانت حراماً قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها.." الحديث في مسلم.

يلجئهم تعالى مضطراً لهم إلى عذاب النار الغليظ وبئس هذا المصير الذي يصيرون إليه –وهو النار- من مصير.
هداية الآيات:
من هداية الآيتين:
١- منة الله تعالى بجعل البيت مثابة للناس وأمناً توجب حمد الله على كل مؤمن.
٢- سنة صلاة ركعتين خلف المقام لمن١ طاف البيت.
٣- وجوب حماية البيت والمسجد الحرام من أي ضرر يلحق من يوجد فيه من طائف وعاكف وقائم وراكع وساجد.
٤- بركة دعوة إبراهيم لأهل مكة، واستجابة الله تعالى له دعوته فلله الحمد والمنة.
٥- الكافر لا يحرم الرزق لكفره٢ بل له الحق في الحياة إلا أن يحارب فيقتل أو يسلم.
٦- مصير من مات كافراً إلى النار، لا محالة، والموت في الحرم لا يغني عن الكافر شيئاً.
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ٣ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ٤ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ٥ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
٢ هذا مستفاد من قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً..﴾ إلخ، إذ إبراهيم عليه السلام سأل الرزق للمؤمنين لاغير نظراً إلى أن الله تعالى رد طلبه في سؤاله الإمامة لكافة ذريته، إذ قال: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ فمن هنا استثنى إبراهيم غير المؤمنين فأعلمه الله أن الغذاء حق الحي مؤمناً كان أو كافراً.
٣ الإتيان بالمضارع هنا مع أن السياق في أمور مضت من أجل استحضار الحالة كأنها مشاهدة وذلك إبرازاً لمواقف إمام الموحدين إبراهيم المشرفة ترغيباً في الاقتداء به.
٤ إسماعيل: هو الولد البكر لإبراهيم، وأمه: هاجر الجارية المصرية، ومعنى إسماعيل: سمع الله.
٥ هذا كسؤال المسلم في صلاته: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي: أدم هدايتنا واحفظ سيرنا عليه حتى نفوز برضاك والجنة، فكذلك سؤال إبراهيم: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾، أي: أدم لنا إسلامنا واحفظها علينا حتى لا نتركه؛ لأنه علة وجودنا وغاية أملنا في الحياة.