قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الْهُدَى) : هُوَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيدًا لِاسْمِ إِنَّ، وَفَصْلًا، وَمُبْتَدَأً، وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ مِنَ الْعِلْمِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي جَاءَكَ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ..... (١٢١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ) :(الَّذِينَ) مُبْتَدَأٌ، وَآتَيْنَاهُمْ صِلَتُهُ، وَ (يَتْلُونَهُ) حَالٌ مُقَدَّرَةٌ مِنْ هُمْ، أَوْ مِنَ الْكِتَابِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا وَقْتَ إِتْيَانِهِ تَالِينَ لَهُ. وَ (حَقَّ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْأَصْلِ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ تِلَاوَةً حَقًّا، وَإِذَا قُدِّمَ وَصْفُ الْمَصْدَرِ، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ انْتَصَبَ نَصْبَ الْمَصْدَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. وَ (أُولَئِكَ) مُبْتَدَأٌ وَ (يُؤْمِنُونَ بِهِ) خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الَّذِينَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَتْلُونَهُ خَبَرَ الَّذِينَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أُوتِيَ الْكِتَابَ تَلَاهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ; لِأَنَّ مَعْنَى حَقَّ تِلَاوَتِهِ الْعَمَلُ بِهِ، وَقِيلَ يَتْلُونَهُ الْخَبَرُ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ لَفْظُهُ عَامٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ يُرَادُ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ) إِذْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ أَيِ اذْكُرْ، وَالْأَلِفُ فِي ابْتَلَى مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وَأَصْلُهُ مِنْ بَلَى يَبْلُو إِذَا اخْتَبَرَ.
وَفِي إِبْرَاهِيمَ لُغَاتٌ: إِحْدَاهَا إِبْرَاهِيمُ بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ ; وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَ «
إِبْرَاهمُ» كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ تُحْذَفُ الْيَاءُ،
وَإِبْرَاهَامُ ; بِأَلِفَيْنِ،
وَإِبْرَاهُمُ بِأَلِفِ وَاحِدَةٍ وَضَمِّ الْهَاءِ ; وَبِكُلٍّ قُرِئَ.
وَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مَعْرِفَةٌ ; وَجَمْعُهُ أَبَارِهُ عِنْدَ قَوْمٍ ; وَعِنْدَ آخَرِينَ بَرَاهِمُ. وَقِيلَ فِيهِ أَبَارِهَةُ وَبَرَاهِمَةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَاعِلُكَ) : يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ; لِأَنَّهُ مِنْ جَعَلَ الَّتِي بِمَعْنَى صَيَّرَ وَ (لِلنَّاسِ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِجَاعِلٍ ; أَيْ لِأَجْلِ النَّاسِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ; وَالتَّقْدِيرُ: إِمَامًا لِلنَّاسِ ; فَلَمَّا قَدَّمَهُ نَصَبَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) : الْمَفْعُولَانِ مَحْذُوفَانِ، وَالتَّقْدِيرُ: اجْعَلْ فَرِيقًا مِنْ ذُرِّيَّتِي إِمَامًا. (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى جَعْلِ الْعَهْدِ هُوَ الْفَاعِلُ. وَيُقْرَأُ الظَّالِمُونَ عَلَى الْعَكْسِ ; وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ لِأَنَّ مَا نِلْتَهُ فَقَدْ نَالَكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ جَعَلْنَا) : مِثْلُ «وَإِذِ ابْتَلَى».
وَجَعَلَ هَاهُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى صَيَّرَ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى خَلَقَ، أَوْ وَضَعَ ; فَيَكُونُ (مَثَابَةً) : حَالًا. وَأَصْلُ مَثَابَةٍ مَثُوبَةٌ ; لِأَنَّهُ مِنْ ثَابَ يَثُوبُ إِذَا رَجَعَ. وَ (لِلنَّاسِ) : صِفَةٌ لِمَثَابَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِجَعَلْنَا، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لِأَجْلِ نَفْعِ النَّاسِ.
وَ (وَاتَّخِذُوا) : يُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَثَابُوا
وَاتَّخَذُوا.