آيات من القرآن الكريم

أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

والقراءتان قويتان متداخلتان حسنتان لأن المَرَض الشك ومن شك في شيء فقد كذب به.
قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾.
كل النحويين على أن " إذا " ظرف زمان مستقبل.
وقال المبرد: " هي في المفاجأة ظرف مكان إذا قلت: " خرجت فإذا زيد ". واستدل على ذلك بأنها قد تضمنت الجثة، وظروف الزمان لا تتضمن الجثة، لو قلت " اليوم زيد " لم يجز إلا على حذف مضاف تقديره /: اليوم حدوث زيد.
وقال أكثر النحويين: " إذا ": في المفاجأة ظرف زمان على أصلها والتقدير: " خرجت فإذا حدوث زيد وظروف الزمان تتضمن المصادر كظروف المكان.
وأصل " قيل ": " قول " فألقيت حركة الواو على القاف وانقلبت الواو ياء لسكونها / وانكسار ما قبلها. وكذلك " بِيعْ " أصله " بِيِعَ "، فألقيت حركة الياء

صفحة رقم 155

على الباء، فصارت ذوات / الواو والياء بلفظ واحد، وهي اللغة المشهورة المستعملة. ولك أن تشم القاف والياء بالضم الذي هو أصلها، وقد قرئ به.
ولك في غير القرآن أن تقول: " قُوْل ": فتسكن الواو استثقالاً للكسر عليها، وتترك القاف على ضمتها، وكذلك يجوز لك فيما كان عينه ياء، نحو: " بُوع المتاع "، فيصير ذوات الواو والباء بلفظ واحد، كما صار في اللغة الأولى المستعملة بالياء فيهما.
قوله: ﴿لاَ تُفْسِدُواْ﴾.
أي: لا تعبدوا إلا الله، وعبادة غير الله من أعظم الفساد.
وحكى الكسائي " اللَّرض " بتشديد اللام وعوض من الهمزة لاماً، وإدغامها في لام التعريف. وقال الفراء في هذه اللغة: " إن لام التعريف لما ألقي عليها حركة الهمزة استكره ذلك فيها إذ أصلها السكون، فزيد بعدها لام أخرى وأسكن الأولى فردها إلى أصلها وأدغمها في اللام المزيدة، فرجعت لام التعريف إلى

صفحة رقم 156

أصلها وهو السكون ".
قوله: ﴿قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾.
هذا قولهم على دعواهم وليسوا كذلك، لأن من أبطن الكفر وأظهر الإيمان فهو من أعظم المفسدين. وهذا كله خبر عن المنافقين.
قال مجاهد وغيره: " أربع آيات من أول سورة البقرة / نزلت في نعت المؤمنين وآيتان بعد ذلك في نعت الكافرين، [وثلاث عشرة] آية بعد ذلك في نعت المنافقين.
وقال مقاتل بن سليمان: " الآيتان الأوليان من سورة البقرة اللتان آخرهما ﴿يُنْفِقُونَ﴾ نزلتا في المؤمنين من أصحاب رسول الله ﷺ المهاجرين. والآيتان اللتان آخرهما ﴿المفلحون﴾ نزلتا في المؤمنين من أهل التوراة، والآيتان اللتان بعدهما، اللتان آخرهما ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ نزلتا في الكفار. [وثلاث عشرة] آية بعدهما نزلن في

صفحة رقم 157

المنافقين من أهل الكتاب ".
قوله: ﴿نَحْنُ﴾.
هو اسم مضمر يقع للواحد الجليل القدر، وللاثنين وللجماعة.
وحقه البناء على السكون لأنه مضمر، والمضمرات كلها مبنية؛ وإنما بنيت لأنها مشابهة للحروف، إذ لا تخص شيئاً بعينه، ولأنها تكون على حرف واحد، وحرف واحد لا يعرب. وإنما حرك " نحن " وحقه السكون لأن قبل آخره ساكن يحرك الآخر لالتقاء الساكنين. واختير لها الضم في قول المبرد لأنها مشبهة بِ " قَبْلُ " و " بَعْدُ "، وذلك لأنها تتعلق بالإخبار عن اثنين فأكثر.
وقال هشام الكوفي: " أصل " نَحْنُ ": نَحُن، فردت حركة الحاء على النون بعدها ".

صفحة رقم 158

وقال أحمد بن يحيى: " ضمت " نحن " لقوتها لأنها تضمنت التثنية [والجمع]، وقد تكون للواحد فأعطيت أقوى الحركات وهي الضم ".
وقيل: إنما ضمت لتضمنها تثنية وجمعاً، فصارت مشبهة بـ " حيث " لانها تضمنت مكائن.
وقال الزجاج: " لما كانت الواو من علامات الجماعة واحتيج إلى حركة النون من " نحن " لسكونها وسكون ما قبلها، حركت بما يشبه الواو وما هو منها، وهي الضمة. ولهذا ضموا واو الجمع إذا احتاجوا إلى حركتها في نحو قوله: ﴿اشتروا الضلالة﴾ [البقرة: ١٦].
وقال علي بن سليمان: " نحن " من علامات المضمر المرفوع فلما احتيج إلى

صفحة رقم 159

حركته حركوه بأخت الرفع وهو الضم ".
ومعنى قولهم: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ أي هذا الذي تسمونه / فساداً هو صلاح عندنا.
وقيل: إن معناه: [أنهم قالوا]: نريد الإصلاح بين المؤمنين وأهل الكتاب.
وعن سلمان الفارسي أنه قال: " لم يجىء هؤلاء بعد ".
وأكثر المفسرين على أن هذا نزل في المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله ﷺ.
وقيل: معنى قول سلمان: " لم يجئ هؤلاء بعد " أي لا يأتون لأنهم قد انقرضوا.

صفحة رقم 160

فإن قيل: ما على من لم يعلم أنه مفسد من الذم، فقد أخبر الله عنهم أنهم لا يعلمون أنهم مفسدون / فالجواب أن القوم كانوا يبطنون الفساد وهم يعلمون به، ويظهرون / الصلاح الذي ادعوا، وهم لا يشعرون أن الله يظهر ما يبطنون، فإنما معنى ﴿ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾: أي لا يعلمون أن الله يظهر ما يبطنون من النفاق والكفر.
والهاءات من: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ إلى ﴿يَشْعُرُونَ﴾ يعدن على " من " في قوله: ﴿مَن يَقُولُ آمَنَّا﴾ وهم المنافقون. وعلى هذا أكثر الناس.
ودخلت الألف واللام في (المُفْسِدينَ)، لأنه جواب كلام سبق منهم إذ قالوا: محمد وأصحابه مفسدون في الأرض.
فأخبر الله أنهم هم المفسدون، ولو كان على غير جواب لم يدخله الألف واللام. ألا ترى لو أنك قال لك قائل: " أنت ظالم "، فأردت أن ترميه بغير الظلم لقلت: " أنت كاذب أنت فاسق "، ولا تقوله بالألف واللام، لأنه غير جواب قوله.
فإن أردت أن ترميه بمثل ما رماك به، قلت له: " أنت الظالم "، ولو أضمرت / لقلت: " أنت هو ". ولو رميته بمثل ما رماك به لم يجز الإضمار في جوابك،

صفحة رقم 161
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية