واعلم ان المراد بالكذب في الحقيقة الكذب في العبودية والقيام بحقوق الربوبية كما للمنافقين ومن يحذو حذوهم ولا يصح الاقتداء بأرباب الكذب مطلقا ولا يعتمد عليهم فانهم يجرون الى الهلاك والفراق عن مالك الاملاك: قال في المثنوى
صبح كاذب كاروانها را زده است
كه ببوى روز بيرون آمده است
صبح كاذب خلق را رهبر مباد
كو دهد بس كاروانها را بباد
قال القاشاني في تأويل الآية في قلوبهم حجاب من حجب الرذائل النفسانية الشيطانية والصفات البشرية عن تجليات الصفات الحقانية وفي التأويلات النجمية فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وهو التفات الى غير الله فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً اى زاد مرض الالتفات على مرض خداعهم فحرموا من الوصول والوصال وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ من حرمان الوصول الى الله تعالى بِما كانُوا يَكْذِبُونَ بقولهم انا آمنا بالله فانهم ليسوا بمؤمنين حقيقة والايمان الحقيقي نور إذا دخل القلب يظهر على المؤمن حقيقته كما كان لجارثة لما سأله رسول الله ﷺ (كيف أصبحت يا حارثة) قال أصبحت مؤمنا حقا قال (يا حارثة ان لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك) قال أعرضت نفسى عن الدنيا اى زهدت وانصرفت فاظمأ نهارها واسهر ليلها واستوى عندى حجرها وذهبها وكأنى انظر الى اهل الجنة يتزاورون والى اهل النار ينصاعون وكأنى انظر الى عرش ربى بارزا فقال رسول الله ﷺ (أصبت فالزم) : قال في المثنوى
اهل صيقل رسته اند از بو ورنگ
هر دمى بينند خوبى بي درنگ
نقش وقشر علم را بگذاشتند
رايت عين اليقين افراشتند
برترند از عرش وكرسى وخلا
ساكنان مقعد صدق خدا
علم كان نبود ز هو بي واسطه
آن نپايد همچورنك ماشطه «٣»
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ اى قال المسلمون لهؤلاء المنافقين لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اسناد قيل الى لا تفسدوا اسناد له الى لفظه كانه قيل وإذا قيل لهم هذا القول كقولك الف ضرب من ثلاثة أحرف والفساد خروج الشيء عن الاعتدال والصلاح ضده وكلاهما يعمان كل ضار ونافع والفساد في الأرض تهيج الحروب والفتن المستتبعة لزوال الاستقامة عن احوال العباد واختلال امر المعاش والمعاد والمراد بما نهوا عنه ما يؤدى الى ذلك من افشاء اسرار المؤمنين الى الكفار وإغرائهم عليه وغير ذلك من فنون الشرور فلما كان ذلك من صنيعهم مؤديا الى الفساد قيل لا تفسدوا كما يقول الرجل لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك في النار إذا اقدم على ما هذه عاقبته وكانت الأرض قبل البعثة يعلن فيها بالمعاصي فلما بعث الله النبي ﷺ ارتفع الفساد وصلحت الأرض فاذا أعلنوا بالمعاصي فقد أفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها كما في تفسير ابى الليث قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ جواب لاذا ورد للناصح على سبيل المبالغة والمعنى انه لا يصلح مخاطبتنا بذلك فان شائنا ليس الا الإصلاح وان حالنا
(٣) در اواخر دفتر يكم در بيان آنكه خود ومستئ خود پنهان بايد داشتن إلخ
صفحة رقم 57
متمحضة عن شوائب الفساد وانما قالوا ذلك لانهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض كما قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فانكروا كون ذلك فسادا وادعوا كونه إصلاحا محضا وهو من قصر الموصوف على الصفة مثل انما زيد منطلق قال ابن التمجيد ان المسلمين لما قالوا لهم لا تفسدوا توهموا ان المسلمين أرادوا بذلك انهم يخلطون الإفساد بالإصلاح فاجابوا بانهم مقصورون على الإصلاح لا يتجاوزون منه الى صفة الإفساد فيلزم منه عدم الخلط فهو من باب قصر الافراد حيث توهموا ان المؤمنين اعتقدوا الشركة فاجابهم الله تعالى بعد ذلك بما يدل على القصر القلبي وهو قوله تعالى أَلا ايها المؤمنون اعلموا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ فانهم لما اثبتوا لانفسهم احدى الصفتين ونفوا الاخرى واعتقدوا ذلك قلب الله اعتقادهم هذا بان اثبت لهم ما نفوه ونفى عنهم ما اثبتوا والمعنى هم مقصورون على إفساد أنفسهم بالكفر والناس بالتعويق عن الايمان لا يتخطون منه الى صفة الإصلاح من باب قصر الشيء على الحكم فهم لا يعدون صفة الفساد والإفساد ولا يلزم منه ان لا يكون غيرهم مفسدين ثم استدرك بقوله تعالى وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ انهم مفسدون للايذان بان كونهم مفسدين من الأمور المحسوسة لكن لا حس لهم حتى يدركوه قال الشيخ فى تفسيره ذكر الشعور بإزاء الفساد أوفق لانه كالمحسوس عادة ثم فيه بيان شرف المؤمنين حيث تولى الله جواب المنافقين عما قالوه للمؤمنين كما كان في حق المصطفى ﷺ فان الوليد بن المغيرة قال له انه مجنون فنفاه الله عنه بقوله ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ثم قال فى ذم ذلك اللعين وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ اى حلاف حقير عياب يمشى بين الناس بالنميمة بخيل للمال ظالم فاجر غليظ القلب جاف ومع ذلك الوصف المذكور هو ولد الزنى وذلك لانه ﷺ اتخذ ربه وكيلا على أموره بمقتضى قوله فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا فهو تعالى يكفى مؤونته كما قال اهل الحقائق ان خوارق العادات فلما تصدر من الاقطاب والخلفاء بل من وزرائهم وخلفائهم لقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلى فلا يتصرفون لانفسهم في شىء ومن جملة كمالات الاقطاب ومنن الله عليهم ان لا يبتليهم بصحبة الجهلاء بل يرزقهم صحبة العلماء الأدباء الأمناء يحملون عنهم اثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم وذلك كما كان الكامل آصف بن برخيا وزير سليمان عليه الصلاة والسلام الذي كان قطب وقته ومتصرفا وخليفة على العالم فظهر منه ما ظهر من إتيان عرش بلقيس كما حكاه الله تعالى في القرآن وفي التأويلات النجمية وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ الاشارة في تحقيق الآيتين ان الإنسان وان خلق مستعدا لخلافة الأرض ولكنه فى بداية الخلقة مغلوب الهوى والصفات النفسانية فيكون مائلا الى الفساد كما أخبرت عنه الملائكة وقالوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها الآية فبأوامر الشريعة ونواهيها يتخلص جوهر الخلافة عن معدن نفس الإنسان فاهل السعادة وهم المؤمنون ينقادون للداعى الى الحق ويقبلون الأوامر والنواهي واهل الشقاوة وهم الكافرون المنافقون يمرقون من الدين ويتبعون الهوى وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض اى لا تسعوا في إفساد حسن استعدادكم وصلاحيتكم