آيات من القرآن الكريم

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

لما وصل الى الطور لاقتباس النار لاهله نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فتجلى الربوبية اولا ثم قيل فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ وهما الطبيعة والنفس امر بتركهما ثم قيل وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي فتجلى الالوهية ثم بعدهما تجلى الذات وامر بإرشاد فرعون فترك اهله هناك ولم يلتفت وجاء الى فرعون وكان دخوله بمصر في نصف الليل فدق باب فرعون بعصاه امتثالا لامر الله تعالى قيل انه شابت لحية فرعون في ذلك الوقت بمهابة دقه فقال أكنت وليدا مربى عندنا قال موسى نعم ولذلك دعوتك قبل الكل لسبق حقك على رعاية له فأرادوا قتله فألقى عصاه فصارت ثعبانا مبينا فبينا عزم على ابتلاعهم فاستأمنوا فأعطاهم الامان وكان يريد أن يؤمن ولكنه منعه هامان فبعد دعوة فرعون جاء الى اهله فوجدها قد وضعت الحمل فاحاطتها ذئاب من أطرافها لمحافظتها فلم يقدر ان بمر من هنا مار فانظر الى قدرة الله تعالى- روى- ان الامام الأعظم والهمام الأقدم رحمه الله لم يشتغل بالدعوة الى مذهبه الا بالاشارة النبوية في المنام بعد ما قصد الا نزواء فهذا اعدل دليل الى وصوله الى الحقيقة وكان يقوم كل الليل وسمع رحمه الله هاتفا في الكعبة ان يا أبا حنيفة أخلصت خدمتى وأحسنت معرفتى فقد غفرت لك ولمن تبعك الى قيام الساعة كذا في عين العلم للشيخ محمد البلخي رحمه الله وعن بعض العارفين قبلة البشر الكعبة وقبلة اهل السماء البيت المعمور وقبلة الكروبيين الكرسي وقبلة حملة العرش العرش ومطلوب الكل وجه الله سبحانه وتعالى وَقالُوا نزلت لما قالت اليهود عزير ابن الله والنصارى المسيح ابن الله ومشركوا العرب الملائكة بنات الله فضمير قالوا راجع الى الفرق الثلاث المذكورة سابقا اما اليهود والنصارى فقد ذكروا صريحا واما المشركون فقد ذكروا بقوله تعالى كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ اى قال اليهود والنصارى وما شاركهم فيما قالوا من الذين لا يعلمون اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً الاتخاذ اما بمعنى الصنع والعمل فلا يتعدى الا الى واحد واما بمعنى التصيير والمفعول الاول محذوف اى صير بعض مخلوقاته ولدا وادعى انه ولده لا انه ولده حقيقة وكما يستحيل عليه تعالى ان يلد حقيقة كذا يستحيل عليه التبني واتخاذ الولد فنزه الله تعالى نفسه عما قالوا في حقه فقال سُبْحانَهُ تنزيهه والأصل سبحه سبحانا على انه مصدر بمعنى التسبيح وهو التنزيه اى منزه عن السبب المقتضى للولد وهو الاحتياج الى من يعينه في حياته ويقوم مقامه بعد مماته وعما يقتضيه الولد وهو التشبيه فان الولد لا يكون الا من جنس والده فكيف يكون للحق سبحانه ولد وهو لا يشبهه شىء: قال في المثنوى

لم يلد لم يولد است او از قدم نى پدر دارد نه فرزند ونه عم
بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رد لما قالوه واستدلال على فساده فان الاضراب عن قول المبطلين معناه الرد والإنكار وفي الوسيط بل اى ليس الأمر كما زعموا والمعنى انه خالق ما في السموات والأرض جميعا الذي يدخل فيه الملائكة وعزير والمسيح دخولا أوليا فكان المستفاد من الدليل امتناع ان يكون شىء ما مما في السموات والأرض ولدا سواء كان ذلك ما زعموا انه ولد له أم لا كُلٌّ اى كل ما فيهما كائنا ما كان من اولى العلم وغيرهم لَهُ

صفحة رقم 213

والاقتراح على سبيل التعنت والعناد لا على سبيل الإرشاد وقصد الجدوى والكاف في كذلك منصوب المحل على انه مفعول قال وقوله مثل قولهم مفعول مطلق اى قال كفار الأمم الماضية مثل ذلك القول الذي قالوه قولا مثل قولهم فيما ذكر فظهر ان أحد التشبيهين لا يغنى عن الآخر تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ اى تماثلت قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والقسوة والعناد وهو استئناف على وجه تعليل تشابه مقالتهم بمقالة من قبلهم فان الالسنة ترجمان القلوب والقلب ان استحكم فيه الكفر والقسوة والعمى والسفه والعناد لا يجرى على اللسان الا ما ينبئ عن التعلل والتباعد عن الايمان كما قيل

مرد پنهان بود بزير زبان چون بگويد سخن بدانندش
خوب گويد لبيب گويندش زشت گويد سفيه خوانندش
قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ اى نزلناها بينة بان جعلناها كذلك في أنفسها كما في قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل لا انا بيناها بعد ان لم تكن بينة لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ اى يطلبون اليقين واليقين ابلغ العلم واوكده بان يكون جازما اى غير محتمل للنقيض وثابتا اى غير زائل بالتشكيك بعد ان يكون مطابقا للواقع فالايقان هنا مجاز عن طلب اليقين على طريق ذكر المسبب وارادة السبب ولا بعد في نصب الدلائل لطلاب اليقين ليحصلوه بها وانما حمل على المجاز لان الموقن بالمعنى المذكور لا يحتاج الى نصب الدلائل وبيان الآيات فبيان الآيات له طلب لتحصيل الحاصل إِنَّا أَرْسَلْناكَ حال كونك ملتبسا بِالْحَقِّ مؤيدا به والمراد الحجج والآيات وسميت به لتأديتها الى الحق بَشِيراً حال كونك مبشرا لمن اتبعك بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب أحد وَنَذِيراً اى منذرا ومخوفا لمن كفر بك وعصاك والمعنى ان شأنك بعد اظهار صدقك في دعوى الرسالة بالدلائل والمعجزات ليس الا الدعوة والا بلاغ بالتبشير والانذار لا أن تجبرهم على القبول والايمان فلا عليك ان أصروا على الكفر والعناد فان الأحوال أوصاف لذى الحال والأوصاف مقيدة للموصوف وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ما لهم لم يؤمنوا بعد ان بلغت والجحيم المكان الشديد الحر وقرئ ولا تسأل بفتح التاء وجزم اللام على انه نهى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه على ما روى انه عليه السلام قال (ليت شعرى ما فعل أبواي) اى ما فعل بهما والى أي حال انتهى أمرهما فنزلت واعلم ان السلف اختلفوا في ان أبوي النبي ﷺ هل ماتا على الكفر او لا ذهب الى الثاني جماعة متمسكين بالادلة على طهارة نسبه عليه الصلاة والسلام من دنس الشرك وشين الكفر وعبادة قريش صنما وان كانت مشهورة بين الناس لكن الصواب خلافه لقول ابراهيم عليه السلام وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ وقوله تعالى فى حق ابراهيم وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ وذهب الى الاول جمع منهم صاحب التيسير حيث قال ولما امر رسول الله ﷺ بتبشير المؤمنين وإنذار الكافرين كان يذكر عقوبات الكفار فقام رجل فقال يا رسول الله اين والدي فقال في النار فحزن الرجل فقال عليه السلام (ان والديك ووالدي ووالدي ابراهيم في النار) فنزل قوله تعالى وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ

صفحة رقم 216

فلم يسألوه شيأ بعد ذلك وهو كقوله لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وذهب نفر من هذا الجمع بنجاتهما من النار منهم الامام القرطبي حيث قال في التذكرة ان عائشة رضي الله عنها قالت حج بنا رسول الله ﷺ حجة الوداع فمر على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم فبكيت لبكاء رسول الله ﷺ ثم انه ظفر فنزل فقال (يا حميراء استمسكي) اى زمام الناقة فاستندت الى جنب البعير فمكث عنى طويلا ثم انه عاد الى وهو فرح متبسم فقلت له بأبى أنت وأمي يا رسول الله نزلت من عندى وأنت باك حزين مغتم فبكيت لبكائك يا رسول الله ثم انك عدت الى وأنت فرح متبسم فعما ذا يا رسول الله فقال (ذهبت لقبر آمنة أمي فسألت الله ربى ان يحييها فاحياها فآمنت) وروى ان الله احيى له أباه وامه وعمه أبا طالب وجده عبد المطلب قال الحافظ شمس الدين الدمشقي حبا الله النبي مزيد فضل على فضل وكان به رؤفا فاحيى امه وكذا أباه لايمان به فضلا لطيفا فسلم فالقديم به قدير وان كان الحديث به ضعيفا وفي الأشباه والنظائر من مات على الكفر أبيح لعنه الا والدي رسول الله ﷺ لثبوت ان الله تعالى أحيا هماله حتى آمنا كذا في مناقب الكردرى وذكر ان النبي عليه السلام بكى يوما بكاء شديدا عند قبر أبويه وغرس شجرة يابسة وقال (ان اخضرت فهو علامة إمكان إيمانهما) فاخضرت ثم خرجا من قبرهما ببركة دعاء النبي ﷺ وأسلما ثم ارتحلا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره ومما يدل على ذلك ان اسم أبيه كان عبد الله والله من
الاعلام المختصة بذاته تعالى لم يسم به صنم في الجاهلية فان اسم بعض أصنامهم اللات وبعضها العزى انتهى كلامه وليس احياهما وإيمانهما به ممتنعا عقلا ولا شرعا وقد ورد في الكتاب احياء قتيل بنى إسرائيل واخباره بقاتله وكان عيسى عليه السلام يخيى الموتى وكذلك نبينا عليه السلام احيى الله على يديه جماعة من الموتى وإذا ثبت هذا فما يمنع من إيمانهما بعد احيائهما زيادة فى كرامته وفضيلته وما روى من انه عليه السلام زار قبر امه فبكى وابكى من حوله فقال (استأذنت فى ان استغفر لها فلم يؤذن لى واستأذنت في ان ازور قبرها فاذن لى فزوروا القبور فانها تذكركم الموت) فهو متقدم على احيائهما لانه كان في حجة الوداع ولم يزل عليه السلام راقبا في المقامات السنية صاعدا في الدركات العلية صاعدا في الدرجات العلية الى ان قبض الله روحه الطاهرة فمن الجائز ان تكون هذه درجة حصلت له عليه السلام بعد ان لم تكن فان قلت الايمان لا يقبل عند المعاينة فكيف بعد الاعادة قلت الايمان عند المعاينة ايمان يأس فلا يقبل بخلاف الايمان بعد الاعادة وقد دل على هذا وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وورد ان اصحاب الكهف يبعثون في آخر الزمان ويحجون ويكونون من هذه الامة تشريفا لهم بذلك وورد مرفوعا (اصحاب الكهف أعوان المهدى فقد اعتد بما يفعله اصحاب الكهف بعد احيائهم من الموت) ولا بدع ان يكون الله تعالى كتب لابوى النبي عمرا ثم قبضهما قبل استيفائه ثم أعادهما لاستيفائه تلك اللحظة الباقية وآمنا فيها فيعتد به وتكون تلك البقية بالمدة الفاصلة بينهما لاستدراك الايمان من جملة ما أكرم الله تعالى به نبيه صلى الله

صفحة رقم 217
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية