
قوله تعالى: ﴿وَللَّهِ المشرق والمغرب﴾ : جملةٌ مرتبطةٌ بقولِه: «مَنَعَ مساجدِ الله، وسعى في خَرابِها» يعني أنه إنْ سَعَى ساعٍ في المَنْعِ مِنْ ذِكْرِهِ تعالى وفي خَرابِ بيوتِه فليسَ ذلك مانعاً من أداءِ العبادَةِ في غيرِها لأنَّ المشرقَ والمغربَ وما بينهما له تعالى، والتنصيصُ على ذِكْرِ المَشْرقِ والمَغْرِبِ دونَ غيرِهما لوجهين، أحدُهما: لشَرَفِهما حيث جُعِلا لله تعالى. والثاني: أن يكونَ مِن حَذْفِ المعطوفِ للعِلْم أي: لله المشرقُ والمغربُ وما بينهما كقوله: «تَقِيكم الحَرَّ» أي والبردَ، وكقولِ الشاعر:
٦٨٧ - تَنْفي يداها الحصى في كلِّ هاجِرَةٍ | نَفْيَ الدراهيمِ تَنْقادُ الصيّاريفِ |
٦٨٨ - كأنَّ الحَصَى من خَلْفِها وأمامِها | إذا نَجَلَتْه رِجْلُها خَذْفُ أَعْسَرَا |

كلِّ يومٍ، والمشرقَيْن والمغربَيْن باعتبارِ مَشْرق الشتاءِ والصيف ومَغْربيهما. وكان مِنْ حقِّهما فتحُ العينِ لِما تقدَّم من أنَّه إذا لم تَنْكَسِرْ عينُ المضارعِ فحقُّ اسمِ المصدرِ والزمانِ والمكانِ فتحُ العينِ، ويجوزُ ذلك قياساً لا تلاوةً.
قوله: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ﴾ «أين» هنا اسمُ شرطٍ بمعنى «إنْ»، و «ما» مزيدةٌ عليها و «تُوَلُّوا» مجزومٌ بها. وزيادةُ «ما» ليست لازمةً لها بدليلِ قوله:
٦٨٩ - أَيْنَ تَضْرِبْ بنا العُداةَ تَجِدْنا | .................. |

ولا يكونُ» أَيْنَ «شرطاً في اللفظِ بل في المعنى، كما تقولُ:» ما صَنَعْتَ صنعتُ «إذا أَرَدْتَ الماضي، وهذا ضعيفٌ لأنَّ» أين «إمَّا شرطٌ أو استفهامٌ وليس لها معنىً ثالثٌ».
انتهى وهو غيرُ واضحٍ.
قوله: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ الله﴾ الفاءُ وما بعدَها جوابُ الشرطِ، فالجملةُ في محلِّ جزم، و «ثَمَّ» خبرٌ مقدم، و «وجهُ الله» رفعٌ بالابتداء و «ثَمَّ» اسمُ إشارةٍ للمكانِ البعيدِ خاصةً مثل: هُنا وهَنَّا بتشديدِ النونِ، وهو مبنيٌّ على الفتحِ لتضمُّنِه معنى حرفِ الإشارة أو حرفِ الخطاب. قال أبو البقاء: «لأنك تقولُ في الحاضر: هُنا، وفي الغائب هُناك، وثَمَّ ناب عن هناك» / وهذا ليس بشيءٍ. وقيل: بُني لِشَبَهِهِ بالحَرْفِ في الافتقارِ، فإنه يَفْتَقِرُ إلى مشارٍ إليه، ولا يَتَصَرَّف بأكثَر مِنْ جَرِّه ب «مِنْ»، ولذلك غَلِط بعضُهم في جَعْله مفعولاً به في قوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ [رَأَيْتَ] ﴾ [الإنسان: ٢٠]، بل مفعولُ «رأيت» محذوف. ومعنى «وَجْهُ الله» جِهَتُه التي ارتضاها قِبْلةً وأمَرَ بالتوجُّه نحوَها، أو ذاتُه نحو: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨]، أو المرادُ به الجاهُ، أي فَثَمَّ جَلالُ الله وعَظَمَتُه مِنْ قولِهم: هو وجهُ القوم، أو يكونُ صلةً زائداً، وليس بشيءٍ، وقيل: المرادُ به العملُ قاله الفراء وعليه قوله:

٦٩٠ - أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لسْتُ مُحْصِيَه | ربُّ العبادِ إليه الوجهُ والعَمَلُ |