آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

إليه من بخس الآخرة من العقاب، لذلك (١) قال: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
وقيل: إن الله تعالى وصفهم بالعلم ثم نفاه عنهم؛ لأنهم لم يعملوا بما علموا، فكانوا بمنزلة من لم يعلم، كما تقول: صلَّيتَ ولم تصلِّ، وتكلّمتَ ولم تتكلّم، أي: لم تجوّد كلامك، فكنت بمنزلة من لم يتكلم.
وقيل: إنما وصفهم بوصفين مختلفين؛ لأنهم علموا أن الآخرة يخسرها من آثر السحر، ثم دخلوا فيه وآثروه طمعًا في عوض يصير إليهم من الدنيا، فقال الله عز وجل: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أن الذي قصدوه وآثروه لا يتم لهم من جهته ما يؤمِّلُون؛ لأن الدنيا تنقطع عنهم بالموت، ثم يقدمون على الآخرة التي لا حظ لهم فيها (٢).
١٠٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا﴾ أي: بمحمد والقرآن ﴿وَاتَّقَوْا﴾ اليهودية والسحر (٣).

(١) في (ش): (كذلك).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٧، "تفسير البغوي" ١/ ١٣٢، "التفسير الكبير" للرازي ٣/ ٢٢٢، "البحر المحيط" ١/ ٣٣٤، وأجاب الطبري ١/ ٤٦٦ بأنه من باب التقديم والتأخير، ومعنى الكلام: وما هم ضارون به من أحد إلا بإذن الله، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون، ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق، ثم رد على من قال: ولقد علموا، أي: الشياطين، ولو كانوا يعلمون، يعني به الناس، وبين أنه قول لجميع أهل التأويل مخالف، لأنهم مجمعون على أن قوله (ولقد علموا)، يعني به اليهود إلخ ما قال.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٨٧، "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٨، "تفسير البغوي" ١/ ١٣٢.

صفحة رقم 213

﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ يقال: أثابه إثابة ومَثَابة، والاسم: الثواب والمَثُوبَةُ والمثْوَبَةُ بفتح الواو (١)، كالمَشُورَة والمَشْوَرَة.
قال أبو العباس: الثوابُ في الأصل معناه: ما رجع إليك من عائدة، وحقيقته (٢): الجزاء العائد على صاحبه مُكَافأةً لما فعل، ومنه: التَثْويب في الأذان، إنما هو ترجيع الصَوْت، ولا يقال لصوتٍ مرةً واحدةً: تثويب، ويقال: ثوّب الداعي: إذا كرر دعاه كما قال:
إذا الداعي المُثَوّبُ قال: يالا (٣)
والثوب مشتقّ من هذا، لأنه ثاب لباسًا بعد أن كان قُطنا أو غزلا (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ في موضع جواب لو؛ لأنه ينبئ عن قولك: لأثيبُوا، فَحُذِفَ الجواب، وجُعل قوله: ﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ بدلًا منه، واللامُ فيه لام الابتداء (٥).

(١) المثْوَبة: بفتح الواو شاذ كما قال اللحياني. ينظر: "اللسان" ١/ ٥١٩، (مادة: ثوب).
(٢) في (أ)، (ش): (والحقيقة).
(٣) البيت نسب لزهير بن مسعود الضبي، ينظر: "لسان العرب" ٨/ ٤٩٧٦ (مادة: يا) غير منسوب. "المعجم المفصل" ٦/ ٨١. ونسب إلى الفرزدق في "لسان العرب" ٧/ ٤١٠٥ (لوم).
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٦، "تهذيب اللغة" ١/ ٤٦٣ (مادة- ثاب)، "المفردات" للراغب الأصبهانى ٨٩، "مقاييس اللغة" ١/ ٣٩٣، وقال: الثاء والواو والباء قياس صحيح من أصل واحد وهو العود والرجوع.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٧ و"البحر المحيط" ١/ ٣٣٥، وقد ذكر الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٦٨ أن بعض نحوي البصرة يرد ذلك، ويرى أن الجواب (لمثوبة).

صفحة رقم 214
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية