
لا كنز له مثله؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه فقالوا: هذا سحر.
فتناسخته الأمم، فأنزل الله تعالى عذر سليمان (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان).
(أسباب النزول ص ٢٩)، وأخرجه الحاكم من طريق إسحاق بن إبراهيم به، وصححه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٥).
وهاتان الروايتان من أخبار أهل الكتاب ولكنها لا تتعارض مع الكتاب والسنة بل لبعض فقراتها شواهد فهي توافق عصمة سليمان عليه السلام وتبريء ساحته مما ألصق به من مفتريات الإسرائيليات.
واستراق الشياطين السمع ثابت كما في قوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظاها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) الحجر: ١٦-١٨.
وقد حذرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تصديق الكهنة والسحرة والاستعانة بهم في أي حال من الأحوال، فأخرج أبو داود (السنن رقم ٣٩٠٤- الطب، ب في الكاهن)، والترمذي، (السنن رقم ١٣٥- الطهارة، ب في كراهية إتيان الحائض)، وابن ماجة (السنن رقم ٦٣٩- الطهارة، ب النهي عن إتيان الحائض)، وأحمد (المسند رقم ٩٢٧٩، ١٠١٧٠)، والدارمي (السنن ٩٥٣٢). كلهم من طريق حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة: "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل علي محمد - ﷺ -". واللفظ للترمذي. وقد تكلم في سماع أبي تميمة من أبي هريرة ولكن أخرجه الإمام أحمد (المسند رقم ٩٥٣٢) من طريق خلاس عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - ﷺ -". وقد حسن السيوطي الرواية الأولى (فيض القدير شرح الجامع الصغير ٦/٢٣)، وصححها الألباني في (صحيح سنن الترمذي ١/٤٤ وإرواء الغليل ٧/٦٨-٧٠)، وصحح أحمد شاكر الرواية الثانية في تحقيقه لمسند أحمد.
قوله تعالى (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما أنزل على الملكين) قال: التفريق بين المرء وزوجه.
ويستنتج من هذا التفسير أن ما في قوله (وما أنزل) موصولة وهو قول الجمهور بما نقله الحافظ ابن حجر (انظر فتح الباري ١٠/٤).

وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله (وما أنزل على الملكين) قال: لم ينزل عليهما السحر. يقول: علما الإيمان والكفر فالسحر من الكفر، فهما ينهيان عنه أشد النهي.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) فالسحر سحران: سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: فكانا يعلمان الناس السحر، فأخذ عليهما أن لاتعلما أحدا حتى تقولا (إنما نحن فتنة فلا تكفر).
التفسير ص ٤٢. وإسناده صحيح.
قوله تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه)
أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن إبليس يضع عرشه على الماء. ثم يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال فيدنيه منه ويقول: نعم أنت".
(الصحيح رقم ٢٨١٣- صفات المنافقين). وذكره ابن كثير في (التفسير ١/٢٥٢).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وتفريقهما أن يؤخذ كل واحد منهما عن صاحبه ويبغض كل واحد منهما إلى صاحبه.
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم -أو ذات ليلة- وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: ياعائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال

أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد ابن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في شط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فأتاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ناس من أصحابه. فجاء فقال: ياعائشة، كان ماءها نقاعة الحناء، وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافانى الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت".
تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام. وقال الليث وابن عيينة عن هشام: (في مشط ومشاطة) ويقال: المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمشاطة من مشاطة الكتان.
(الصحيح ١٠/٢٢١ رقم ٥٧٦٣- الطب، ب السحر وقول الله تعالى (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر... ) الآية.
قوله تعالى (وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)
قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا سلام بن مسكين قال: سمعت الحسن يقول: في قوله (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي: لايضر هذا السحر إلا من دخل فيه.
ورجاله ثقات إلا الحسن بن الصباح صدوق، فالإسناد حسن.
قوله تعالى (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) بقول: قد علم ذلك أهل الكتاب في عهد الله إليهم: أن الساحر لاخلاق له عند الله يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (وماله في الآخرة من خلاق)
ليس له في الآخرة جنة عند الله.
(التفسير ص٤٣)، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بلفظ: حجة.
وأخرج عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال: قال الحسن (ماله في الآخرة من خلاق) قال: ليس له دين.
وإسناده حسن.