آيات من القرآن الكريم

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

هذا، والمتبادر أن الآية الأخيرة بالإضافة إلى ما تضمنته من وعد رباني برعاية الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد تضمنت قصد التنويه بهم وبث الاغتباط في نفوسهم ليستمروا ويزدادوا فيما هم عليه.
ولقد أورد ابن كثير حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال «قال النبي ﷺ إذا أحبّ الله عبدا نادى جبريل إنّي قد أحببت فلانا فأحبّه. فينادي في السّماء ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض. فذلك قول الله عزّ وجلّ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) ».
والحديث لم يرد في كتب الصحاح «١». وإذا صح فيكون فيه تطبيق لمدى الآية. ولا يخلّ بالشرح الذي شرحناه آنفا من كونها بسبيل التنويه بالرعاية التي تكون للمؤمنين الصالحين يوم القيامة وبسبيل بثّ الاغتباط في نفوسهم في الدنيا.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)
(١) يسرناه بلسانك: الضمير للقرآن ومعنى الجملة جعلناه ميسور الفهم لأننا أنزلناه بلغتك التي هي لغة المخاطبين به وهي العربية كما جاء في آيات عديدة أخرى.
(٢) لدّا: أشداء في الخصومة والعداء.
(٣) ركزا: الصوت الخفي. أو الهمس والنأمة.
هاتان الآيتان جاءتا معقبتين على السياق السابق جميعه وخاتمة قوية

(١) هناك حديث صحيح رواه الشيخان عن أبي هريرة فيه مماثلة لهذا الحديث مع بعض الزيادات. ولكنه لا يربط بين ما جاء فيه وبين الآية كما ربط ذلك حديث ابن أبي حاتم (انظر التاج ج ٥ ص ٧٢).

صفحة رقم 184

للسورة. وقد تجمعت في أولاهما أهداف الرسالة المحمدية في تقريرها أن القرآن إنما أنزل بلسان النبي العربي ليكون ميسور الفهم على الذين خوطبوا به لأول مرة وهم العرب، فيبشر الذين آمنوا واتقوا حتى يهنأوا ويطمئنوا، ولينذر الذين اتخذوا الخصومة والعناد والمكابرة ديدنا حتى يرتدعوا ويندمجوا في الرعيل المؤمن الصالح المتقي. وفي الآية على ما يتبادر معنى من معاني التسلية والتطمين للنبي ﷺ تكرر في آيات كثيرة، وهو أنه ليس مسؤولا عن الناس وهدايتهم وليس عليه إلّا التبشير والإنذار. أما الآية الثانية فقد أريد بها تذكير الكفار بأمثالهم الكثيرين من قبلهم الذين أهلكهم الله فلم يتحرك أحد منهم بحركة ولم ينبعث من أحد منهم صوت، كأنما أرادت الآية أن تقول إن هلاكهم كان شاملا جارفا. وتلهم روح الآية أن هذا لم يكن مجهولا عند السامعين.
والآية الأولى دليل من الأدلة القرآنية القاطعة على أن لغة القرآن هي لغة العرب الموجودين في عصر النبي ﷺ وأنها كانت مألوفة ومفهومة كل الإلفة والفهم من سوادهم الأعظم وهذا هو الذي يتسق مع مهمة الرسول التي تتناول خطاب جميع الطبقات والاتصال بهم.

صفحة رقم 185
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية