آيات من القرآن الكريم

كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱ

مقالة المشركين في البعث والحشر استهزاء وطعنا
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧٧ الى ٨٠]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠)
الإعراب:
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ رأيت هنا بمعنى علمت، يتعدى إلى مفعولين، والذي مع صلته: في موضع المفعول الأول.
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً في موضع المفعول الثاني.
وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ أي نرث منه ما يقول، فحذف حرف الجر، فصار نَرِثُهُ.
البلاغة:
سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ مجاز عقلي من إسناد الشيء إلى سببه، أي نأمر الملائكة بالكتابة.
عَهْداً مَدًّا فَرْداً ضِدًّا عَدًّا وَفْداً وَلَداً إِدًّا سجع رصين.
المفردات اللغوية:
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا أي أخبر عن العاص بن وائل، والفاء جاءت لإفادة معناها وهو التعقيب، كأنه قال: أخبر أيضا بقصة هذا الكافر، وأذكر حديثه عقيب حديث أولئك الذي قال فيه لخباب بن الأرت: لأوتين.. حينما قال له: تبعث بعد الموت، في أثناء مطالبته له بمال لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً أي فإذا بعثت جئتني فأعطيك أو أقضيك مالا وولدا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أي أعلمه وأن يؤتى ما قاله، واستغني بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل، فحذفت. من قولهم: اطلع الجبل: إذا ارتقى إلى أعلاه، والمعنى: أظهر له علم الغيب أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً بأن يؤتى

صفحة رقم 155

ما قاله، وقيل: عهدا: عملا صالحا، فإن وعد الله بالثواب عليه كالعهد عليه. والمعنى: أن ما ادّعى أن يؤتاه وتألى عليه، لا يتوصل إليه بأحد هذين الطريقين: إما علم الغيب، وإما عهد من عالم الغيب، فبأيهما توصل إلى ذلك؟
كَلَّا كلمة زجر أو ردع وتنبيه على أنه مخطئ فيما تصوّره لنفسه، أي لا يؤتى ذلك سَنَكْتُبُ نأمر بكتب، أو سنظهر له أنا كتبنا قوله. وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا سنطيل له العذاب الذي يستحقه، أو نزيد عذابه ونضاعفه له، لكفره وافترائه واستهزائه على الله، ولذلك أكده بالمصدر وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ نرث منه ما يقول من المال والولد، أي نسلبه منه بموته، ونأخذه أخذ الوارث، والمراد بما يقول: مدلوله ومصداقه: وهو ما أوتيه من المال والولد وَيَأْتِينا فَرْداً ويأتينا يوم القيامة لا يصحبه مال ولا ولد، كان له في الدنيا، فضلا عن أن يؤتى.
سبب النزول:
أخرج الأئمة منهم أحمد والشيخان (البخاري ومسلم) والترمذي والطبراني وابن حبّان عن خبّاب بن الأرتّ قال: كنت رجلا قينا- حدادا- وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا، والله، لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقلت: لا، والله، لا أكفر بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى تموت ثم تبعث، قال: فإني إذا متّ ثم بعثت جئتني، ولي ثمّ مال وولد، فأعطيك، فأنزل الله تعالى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا.. الآية.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى الدلائل على صحة البعث، ثم أورد شبهة المنكرين وأجاب عنها، أورد هنا ما قالوه على سبيل الاستهزاء، طعنا في القول بالحشر والبعث.
التفسير والبيان:
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا، وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً أي ألا أخبرك بقصة هذا الكافر الذي تجرأ على الله وقال: لأعطينّ في الآخرة مالا وولدا.
وإيراد هذه القصة على سبيل التعجب للبشر.

صفحة رقم 156

ثم فنّد الله تعالى قوله بعدم اعتماده على دليل غيبي أو عهد من الله، فقال:
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً أي إن دعواه تلك تعتمد على أحد أمرين: إما علم الغيب وإما عهد من الله، فهل اطلع على الغيب حتى يعلم أنه في الجنة، أو أخذ العهد الموثق من الله بذلك؟ والعهد عند الله للرحمة: أن يدخل المؤمن الجنة إذا قال: لا إله إلا الله، وعمل الصالحات. وقوله: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ إشارة إلى أن الحصول على علم الغيب أمر صعب شاق لأن الله لا يطلع على غيبه إلا من ارتضى من رسول.
ثم هدده تعالى بقوله:
كَلَّا، سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ، وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا، وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً كَلَّا كلمة ردع وزجر لما قبلها، وتأكيد لما بعدها، ولم ترد في النصف الأول من القرآن. والإتيان بسين التسويف في قوله: سَنَكْتُبُ مع أنه يكتب من غير تأخير لمحض التهديد من المتوعد.
أي ليس الأمر على ما قال، بل سنحفظ ما يقول، فنجازيه به في الآخرة، ونزيده عذابا فوق عذابه، ونمده بالعذاب مدا في الدار الآخرة على قوله ذلك وكفره بالله في الدنيا، مكان ما يطلبه من المدد بالمال والولد، جزاء عمله، ونميته فنرثه المال والولد الذي يقول: إنه يؤتاه، ونسلبه إياه، ويأتينا يوم القيامة فردا لا مال له ولا ولد مما كان معه في الدنيا، لأنّا نسلبه منه، فكيف يطمع أن نعطيه؟! وهذا كقوله تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام ٦/ ٩٤].
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه قصة رجل آخر هو العاص بن وائل، وهي من أعاجيب القصص التي

صفحة رقم 157
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية