آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

فلا إشكال إذا التعذيب متاخر من الإحضار قيل اعلم هاهنا بمعنى العليم لاختصاص هذا العلم به تعالى وجاز ان يقال ان الكرام الكاتبين وغيرهم من الملائكة ايضا يعلمون الفاجر من التقى والسعيد من الشقي والله تعالى اعلم بذلك- قرأ حمزة والكسائي وحفص جتيّا وعتيّا وصليّا بكسر اوائلها كما ذكرنا في قوله تعالى وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا- والجمهور بضمها وهى على وزن فعول كما ذكرنا وقوله من كلّ شيعة ان كان يعمم الكفار والعصاة من المؤمنين ففى ذكر أشد تنبيه على انه تعالى يعفو كثيرا من اهل العصيان- ولو خص ذلك بالكفار على ما يقتضيه السياق كما اختاره البغوي واكثر المفسرين فالمراد انه يميّز طوائفهم أعتاهم فاعتاهم ويطرحهم في النار على الترتيب- او يدخل كلّا طبقتها الّتي أعدت لهم اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي عن ابن مسعود رضى الله عنه في الاية قال يحشر الاول على الاخر حتى إذا تكاملت العدة اثارهم ثم يبدا بالاكابر فالاكابر جرما ثم قرأ فو ربّك لنحشرنّهم الى قوله عتيّا- واخرج هناد عن ابى الأحوص في الاية قال يبدء الأكابر فالاكابر جرما-.
وَإِنْ مِنْكُمْ ان نافية ومنكم صفة لمحذوف اى ان أحد منكم إِلَّا وارِدُها اى جهنم قيل القسم مضمر اى والله ما منكم الّا واردها بدليل ما ورد في الأحاديث الا تحلة القسم وسنذكرها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً الحتم مصدر حتم الأمر إذا وجب يعنى واجبا أوجبه الله على نفسه مَقْضِيًّا (٧١) قضاه الله عليكم بان وعده وعدا لا يمكن خلفه............
ثُمَّ نُنَجِّي عطف على مضمون ما سبق تقديره نوردكم جميعا في جهنم ثمّ ننجّى- قرأ الكسائي بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك فيساقون الى الجنة بلا تعذيب او بعد التعذيب وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ اى الكافرين فِيها اى في النار جِثِيًّا (٧٢) جميعا وقيل جاثين على الركب والمراد بالورود الدخول وإن كان بطريق المرور على الصراط الّذي هو على متن جهنم- وقال قوم من اهل الأهواء ليس المراد بالورود الدخول فانه من يدخلها لا ليخرج منها ابدا وقالوا النار لا يدخلها مؤمن ابدا لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها- بل المراد به الحضور والروية فانهم يحضرون جميعا موضع الحساب وهو بقرب جهنم- ثم ينجى الله المتقين يأمرهم الى الجنة ويذر الظالمين فيها جثيا يأمرهم الى النار- نظيره قوله تعالى ولمّا ورد ماء مدين وقد كان موسى اشرف عليه ولم يدخله ويؤيده

صفحة رقم 111

ما رواه احمد وابو يعلى والطبراني بسند لا بأس به عن معاذ بن انس عن النبي ﷺ انه قال من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا بأخذ السلطان لم ير النار بعينه الا تحلة القسم وان الله تعالى يقول وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها- قلنا اطلاق الورود على الاشراف والحضور والروية تجوز لا يجوز ارتكابه الا لضرورة ولا ضرورة هاهنا ويأبى عن هذا التأويل قوله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا لان الانجاء والترك فيها لا يتصور الا بعد الدخول ولا دليل في الحديث على عدم الدخول فانه يثبت الروية تحلة القسم ولا ينفى الدخول ومعنى قوله تعالى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ بعد ورودهم لا يسمعون حسيسها إذ ابعدوا- وقيل لا يسمعون حسيسها عند ورودهم النار لان الله تعالى يجعلها عليهم بردا وسلما- اخرج هناد والطبراني والبيهقي عن خالد بن معدان قال إذا ادخل اهل الجنة الجنة قالوا ربنا الم تعدنا انا نرد النار- قال بلى ولكنّكم مررتم عليها وهى خامدة واخرج ابن عدى والطبراني عن يعلى بن امية عن النبي ﷺ قال تقول النار للمؤمن يوم القيمة جزيا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى ولنا على كون الورود بمعنى الدخول ولو على سبيل المرور ما اخرج احمد والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سميّه قال اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن- وقال بعضنا يدخلونها جميعا ثمّ ننجى الّذين اتّقوا فلقيت جابر بن عبد الله فذكرت له فقال وأهوى بإصبعيه الى اذنيه صمننا ان لم أكن سمعت رسول الله ﷺ يقول لا يبقى بر ولا فاجر الا دخلها- فيكون على المؤمن بردا وسلما كما كانت على ابراهيم- حتى ان للنار ضجيجا من بردهم ثمّ ننجّى الّذين اتّقوا ونذر الظّالمين فيها جثيّا- وذكر البغوي انه روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار ان نافع بن الأزرق «١» مارى عن ابن عباس رضى الله عنه في معنى الورود- فقال ابن عباس هو الدخول وقال نافع ليس الورود الدخول فتلا ابن عباس انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم أنتم لها واردون- أدخلها هؤلاء أم لاثم قال يا نافع اما أنت وانا سنروها وانا أرجو ان يخرجنى الله وما ارى الله ليخرجك بتكذيبك- واخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي عن مجاهد قال خاصم نافع بن الأزرق فذكر نحو ذلك وقال قراح ابن عباس انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم وأنتم

(١) هكذا في تفسير البغوي وامّا في اصل المفسر رح فهكذا نافع الأزرق خاصم وهو تصحيف ١٢ الفقير الدهلوي

صفحة رقم 112

لها واردون قال وردوا أم لا وقرأ يقدم قومه يوم القيمة فاوردهم النّار أوردها أم لا- اما انا وأنت فسندخلها فانظر هل تخرج منها أم لا واخرج من طريق العوفى عن ابن عباس في قوله تعالى ان منكم الّا واردها يعنى البر والفاجر الم تسمع قوله تعالى فاوردهم النّار وبئس الورد المورود وقوله تعالى ونسوق المجرمين الى جهنّم وردا- واخرج الحاكم عن ابن مسعود انه سئل عن قوله تعالى وان منكم الّا واردها قال وان منكم الّا داخلها واخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس في الاية قال لا يبقى أحد الا دخلها فهذه الآيات مفسرة للورود بالدخول- واخرج احمد والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن مسعود في قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قال قال رسول الله ﷺ يرد الناس كلهم النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فاوّلهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحفر؟؟؟ الفرس ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرجل ثم كمشيه واخرج ابن ابى حاتم عن ابن مسعود قال يرد الناس جميعا ورودهم قيامهم حول النار ثم يصدون عن الصراط بأعمالهم فمنهم مثل البرق ومنهم من يمرّ مثل الريح ومنهم من يمر مثل الطير ومنهم من يمر كاجز والخيل ومنهم من يمرّ كاجود الا؟؟؟ ل ومن يمرّ كعدو الرجل حتى ان آخرهم سيرا نوره على موضع إبهام قدميه يمر يتكفاء به الصراط وأخرجها الشيخان عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار الا تحلة القسم- ثم قرأ سفيان وان منكم الّا واردها- واخرج الطبراني عن عبد بن بشير الأنصاري قال قال رسول الله ﷺ من قات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد الا عابر سبيل يعنى الجواز على الصراط- واخرج ابن جرير عن غنيم بن قيس قال ذكروا ورود النار فقال كعب تمسك النّار الناس كانها بين اهالة حتى يستوى عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم- ثم ينادى مناد ان أمسكي أصحابك ودعي أصحابي- قال فيخسف بكل ولى لها هى اعلم بهم من الرجل بولده يخرج المؤمنون ندية ثيابهم قال السيوطي فسر بعض علماء اهل السنة الورود بالدخول وهو أحد القولين في الاية ورجّهه القرطبي واستشهد بحديث جابر ونحوه ومنه بعضهم بالمرور على الصراط ورحجه النووي واستشهد بما روى عن ابن مسعود وفيه ذكر المرور على الصراط وحديث ابى هريرة ونحوهما قلت إذا كان الصراط على متن جهنم فالمرور يستلزم الدخول ولا يقضى الدخول الوقوع في النار البتة ولذلك قلت فالمراد بالورود الدخول وان كان على طريق المرور على الصراط جميعا بين الأحاديث فان قيل قول الحسن الورود الممر عليها من غير ان يدخلها (كذا اخرج البيهقي عنه) على ان المروي غير الدخول- قلت المراد بالدخول في قول الحسن الوقوع والاستقرار في النار لا مطلق الدخول هكذا

صفحة رقم 113
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية