آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ

وقال الفراء: المعنى: " لننزعن " بالنداء، فيكون معنى " لننزعن ": لننادين. وهذا يتعلق، ولا يتعدى، فحسن الرفع بالابتداء، إذ هو في موضع فعل يجوز أن يعلق عن العمل. أعني " لننزعن " وقع موقع " لننادين ". ونادى/ فعل يعلق عن العمل إذا كان بعده جملة. فلا يعمل في اللفظ ويعمل في المعنى كظننت وحسبت.
وقال بعض الكوفيين في " أي " معنى الشرط والمجازاة فلذلك لم يعمل فيها ما قبلها.
وقال المبرد: " أيهم " متعلقة بشيعة لا بننزعن. والمعنى: ثم لننزعن من الذين تشايعوا أيهم. أي: من الذين تعاونوا فنظروا أيهم أشد. فيكون المعنى على هذا ثم لننزعن من هؤلاء الذين فعلوا هذا الذي وصف عنهم.
قوله تعالى ذكره: ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً﴾ إلى قوله ﴿فِيهَا جِثِيّاً﴾.
أي: ثم لنحن أعلم بالذين ننزعهم من كل شيعة فيقدمهم إلى العذاب فيصلونه.
" وصلياً " مصدر صلى يصلي صلياً، على فعول وأصله صلوي: ثم أعل وكسرت اللام.
ثم قال: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً﴾.
المعنى: وإنّ من هؤلاء القوم، الذين هذا القول المتقدم قولهم في البعث، إلا وارد

صفحة رقم 4573

جهنم.
﴿ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا﴾.
أي: اتقوا الشرك، وأمنوا بالبعث، فهي مخصوصة فيمن تقدم ذكره على هذا القول.
وقيل: هي عامة. والمعنى: ما منكم أحد إلا يرد جهنم. كان ذلك على ربك يا محمد قضاء مقضياً في أم الكتاب.
وقال ابن مسعود وقتادة معناه: قضاءً واجباً.
قال ابن عباس: الورود، الدخول. واحتج بقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ وبقوله تعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار﴾ وقل محتجاً للدخول: دخل هؤلاء؟ أم لا؟. وقاله ابن جريج.
وقاله ابن عباس: يردها البر والفاجر.
وقيل: إنهم يردونها وهي خامدة.

صفحة رقم 4574

وعن كعب أنه قال: تمسك النار للناس كأنها متن أهالة، حتى تستوي عليها أقدام الخلق، برّهم وفاجرهم. ثم ينادي بها مناد امسكي أصحابك ودعي أصحابي. فتخسف بكل ولي لها. فلهي أعلم بهم من الرجل بولده، وخرج المؤمنون ندية ثيابهم.
وقال كعب: ما بين منكبي الخازن من خزنة جهنم مسيرة سنة.
وقال ابن مسعود: الورود: الدخول.
وقال قتادة: هو الممر عليها.
وقيل: الورود هو الجواز على الصراط. والصراط على شفير جهنم مثل حد السيف. فتمر الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة، كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم. ثم يمرون، والملائكة يقولون: اللهم سلم سلم.
وعن ابن عباس، أن الورود الدخول، ولكن المخاطبة للكفار خاصة. وذلك قال عكرمة.

صفحة رقم 4575

وقال ابن زيد: الورود عام، للمسلم والكافر، إلا أن ورود المؤمن المرور.
ودل على هذا أن ابن عباس وعكرمة قرآ: وإن منهم إلا واردها يريدان الكفار برد الهاء والميم على ما تقدم من ذكر الكفار.
وقرأ ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الذين﴾ بفتح التاء. إلا أن عليا قرأ " تَنحَّى بالحاء " وكذلك قرأ ابن أبي ليلى بفتح التاء.
فورود المؤمن على الجسر بين ظهريها، وورود الكافر الدخول. وعن النبي ﷺ أنه قال: " الزالون والزالات يؤمئذٍ كثيرة وقد أحاط بالجسر سماطان من الملائكة، دعواهم يومئذٍ يا الله سلم سلم ".
وقال مجاهد: " الحمى حظ كل مسلم من النار.
وقال أبو هريرة: " خرج رسول الله ﷺ يعود رجلاً من أصحابه وعكَ، وأنا معه.

صفحة رقم 4576

فقال: إن الله جلّ ذكره يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة ".
وقال السدي: يردونها كلهم، ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم.
وروت حفصة، " أن النبي ﷺ: قال إني لأرجو أن لا يدخل أحد شهد بدراً والحديبية. قالت: فقلت: يا رسول الله، أليس الله جلّ وعزّ يقول: " وإن منكم إلا واردها؟ قال لها: أولم تسمعيه يقول: " ثم نُنَجي الذين اتقوا ".
وقيل: المعنى: وإن منكم إلا وارد القيامة. وهذا اختيار الطبري ودل على هذا قوله: ﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ [الأنبياء: ١٠٢] وقوله: ﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١].
ودل على هذا أيضاً قوله تعالى/ قبل الآية " ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين﴾

صفحة رقم 4577

فالحشر إنما هو في القيامة.
وروى ابن وهب عن زيد بن أسلم أنه قال في تفسير الورود: " وإن منكم يا أهل هذا القول إلا وارد جهنم ". يعني: الذين أنكروا البعث فقالوا: أإذا متنا لسوف نخرج أحياء إنكاراً منهم بالبعث.
وقوله: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا﴾ أي: ننجيهم من ورودها فلا يردونها.
وقيل: معناه: وإن منكم إلاّ يحضر جهنم ويعاينها، لا يدخلها إلا من وجب عليه دخولها. ودليله قوله: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٣] فهو لم يدخل الماء، إنما حضر قرب الماء وعاينه، لم يدخله فكذلك هذا، يحضرون كلهم جهنم ويعاينونها وينجي الله من دخولها المتقين وهو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا﴾.
ثم قال: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا﴾.
أي: ننجي من النار بعد الورود الذين اتقوا الله وأدوا فرائضه، واجتنبوا محارمه.
ثم قال: ﴿وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً﴾ أي: وندعهم في النار بروكاً على ركبهم. كذا قال قادة. وقال: إن الناس يردون جهنم وهي سوداء مظلمة، فأما المؤمنون فأضاءت لهم حسناتهم فأنجوا منها، وأما الكفار فأوبقتهم أعمالهم واحتبسوا بذنوبهم.
قال ابن زيد: لا يجلس الرجل جاثياً إلا عند كرب ينزل به.

صفحة رقم 4578
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية