آيات من القرآن الكريم

وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا
ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﰿ

(وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)
(وَمَا نَتَنَزَّلُ) هذا بيان من متكلم ما هو؟ أهو من الملائكة أم من المتقين؛ إن النص يحتملهما، وقد روي أن ذلك من الملائكة، وروى البخاري والترمذي أن الذي قال ذلك جبريل - عليه السلام -، فإنه قد روى الترمذي والبخاري عن ابن عباس أن النبي - ﷺ -، قال لجبريل - عليه السلام -: " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا "، فنزلت هذه الآية (١)، ومعناها على ذلك، (وَمَا نَتَنَزَّلُ)، أي نتنزل نحن الملائكة (إِلَّا بِأمْرِ رَبِّكَ) الذي خلقك، فلا ننزل من تلقاء أنفسنا بل بإرادة، وروي أنه قال النبي - ﷺ -: " أنا أشوق إليك ".
وقد قيل: إن المشركين قالوا: قلاه اللَّه وودعه، وقد قال تعالى في سورة الضحى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ومَا قَلَى) هذا تخريج تؤيده الرواية الصحيحة، ونتنزل أي ننزل وقتا بعد آخر.
وهناك تخريج آخر وهو أن قائل ذلك هم المتقون الذين نزلوا الجنة، وأدخلهم الله تعالى فيها، ويكون معنى التنزل النزول إليها مترفقين، ويكون كلامهم إعلانا لشكرهم للَّه تعالى.
ونحن نميل إلى التخريج الأول ونرجحه؛ لأنه قد ورد فيه حديث صحيح، وهو معقول في ذاته؛ ولأن التعبير بالتنزل يدل على النزول وقتا بعد آخر، وذلك يتفق مع نزول جبريل، ولا يتفق مع دخول الجنة؛ لأنه يكون دفعة واحدة، ولأنه
________
(١) رواه بهذا اللفظ البخاري: تفسير القرآن - (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) (٤٣٦٢)، والترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة مريم (٣٠٨٣). عن ابن عباس رضي الله عنهما.

صفحة رقم 4669

هو الذي يناسب نفي النسيان في قوله بعد ذلك: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) " فعيل " من " نسي "، أي ناسيا نسيانا شديدا حتى يترك نبيه، وقد أرسله لبيان شريعته، والدعوة بقرآنه الحكيم الذي هو تنزيل من حكيم حميد.
وقد ذكر الملائكة قدرة اللَّه تعالى، وأنه هو الملك للملائكة والإنس والجن، فقالوا كما حكى اللَّه تعالى عنهم: (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْن ذَلِكَ)، له ما مضى من أمرنا لَا يعلمه سواه، وله ما بين أيدينا مما هو مبهما، وما خلفنا مما تركنا، وما بين ذلك هو حاضرنا، وملكيته سبحانه لحاضرنا، وهو ما بين ملك المتصرف العالم علما محيطا.
وقد بين سبحانه وتعالى ملكه للسماوات والأرض فقال:

صفحة رقم 4670
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية