آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ

قوله: ﴿قَالَ رَبِّ﴾ : لا مَحَلَّ لهذهِ الجملةِ لأنها تفسيرٌ

صفحة رقم 563

لقولِه «نادى ربَّه» وبيانٌ، ولذلك تُرِكَ العاطفُ بينهما لشدَّة الوَصْلِ.
قوله: «وَهَنَ» العامَّةُ على فتحِ الهاء. وقرأ الأعمشُ بكسرِها. وقُرِئ بضمِّها، وهذه لغاتٌ في هذه اللفظةِ. ووَحَّد العظمَ لإِرادةِ الجنسِ، يعني أنَّ هذا الجنسَ الذي هو عَمُوْدُ البدنِ، وأشدُّ ما فيه وأَصْلَبُه، قد أصابه الوَهْنُ، ولو جُمع لكان قصداً أخرَ: وهو أنه لم يَهِنْ منه بعضُ عظامه ولكن كلُّها، قاله الزمخشري: وقيل: أُطْلِقَ المفردُ، والمرادُ به الجمعُ كقولِه:

٣٢٠ - ٨- بها جِيَفُ الحَسْرى فأمَّا عِظامُها فبِيضٌ وأمَّا جِلْدُها فَصَلِيْبُ
أي: جلودُها، ومثلُه:
٣٢٠ - ٩- كُلوا في بعضِ بطنِكُم تَعِفُّوا فإنَّ زمانَكُمْ زَمَنٌ خَمِيصُ
أي: بطونكم.
و «مَنَّي» حالٌ من «العَظْمِ». وفيه رَدُّ على مَنْ يقول: إن الألفَ واللامَ تكونُ عِوَضاً من الضميرِ المضافِ إليه؛ لأنه قد جُمع بينهما هنا وإن كان الأصلُ: وَهَنَ عَظْمِي. ومثلُه في الدَّلالةِ على ذلك ما أنشدوه شاهداً على ما ذَكَرْتُ:
٣٢١ - ٠- رَحِيبٌ قِطابُ الجَيْبِ منها رَفْيقَةٌ بجَسِّ النَّدامى بَضَّةُ المُتَجَرِّدِ
قوله: «شَيْباً» في نصبه ثلاثةُ اوجهٍ، احدُها: - وهو المشهورُ- أنه

صفحة رقم 564

تمييزٌ منقولٌ من الفاعلية؛ إذ الأصلُ: اشتعلَ شيبُ الرأسِ. قال الزمخشري: «شبَّه الشيبَ بشُواظِ في بياضِه وانتشارِه في الشعر وفُشُوِّه فيه، وأَخْذِه منه كلَّ مَأْخَذٍ باشتعال النار، ثم أخرجه مُخْرَجَ الاستعارةِ، ثم أَسْنَدَ الاشتعالَ إلى مكانِ الشِّعْر ومَنْبَتِه وهو الرأسُ، وأخرج الشَّيْبَ مميَِزاً، ولم يُضِفِ الرأسَ اكتفاءً بعِلْم المخاطب أنه رأسُ زكريا، فمِنْ ثَمَّ / فَصُحَتْ هذه الجملةُ وشُهِد لها بالبلاغةِ». انتهى. وهذا مِنْ استعارةِ محسوسٍ لمحسوسٍ، ووجهُ الجمع: الانبساطُ والانتشارُ.
والثاني: أنه مصدرٌ على غيرِ الصَّدْرِ، فإنَّ معنى «اشتعلَ الرأسُ» شابَ.
الثالث: أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحالِ، اي: شائباً أو ذا شيبٍ.
قوله: «بدُعائِك» فيه وجهان، أظهرُهما: أنَّ المصدرَ مضافٌ لمفعولِه، أي: بدعائي إياك. والثاني: أنه مضافُ لفاعلِه، أي: لم أكنْ بدعائِك لي إلى الإِيمانِ شَقِيَّا.

صفحة رقم 565
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية