
قصة مريم
- ١- حملها بعيسى عليه السلام
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٦ الى ٢٢]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢)
الإعراب:
إِذِ انْتَبَذَتْ
بدل من مريم بدل اشتمال.
مَكاناً شَرْقِيًّا
مَكاناً
إما ظرف مكان منصوب، وعامله انْتَبَذَتْ
وإما مفعول به، وعامله مقدر، أي وقصدت مكانا قصيا. وشَرْقِيًّا
صفة له.
وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ الواو: إما واو عطف على قوله لِأَهَبَ لَكِ
وإما زائدة.
البلاغة:
وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ كناية عن المعاشرة الزوجية بالجماع.
شَرْقِيًّا
سَوِيًّا
تَقِيًّا
بَغِيًّا مَقْضِيًّا قَصِيًّا سَرِيًّا نَبِيًّا.. إلخ سجع لطيف.

المفردات اللغوية:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ
واذكر في القرآن خبر مريم. إِذِ انْتَبَذَتْ
حين اعتزلت.
مَكاناً شَرْقِيًّا
أي اعتزلت في مكان نحو الشرق من الدار. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً
أرسلت سترا تستتر به للاغتسال من الحيض، وكانت في العادة تتحول من المسجد إلى بيت خالتها إذا حاضت، وتعود إليه إذا طهرت، فبينا هي في مغتسلها أتاها جبريل متمثلا بصورة شاب أمرد، سوي الخلق، لتستأنس بكلامه. فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
جبريل. فَتَمَثَّلَ لَها
بعد لبسها ثيابها. بَشَراً سَوِيًّا
تام الخلق. قالَتْ: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ
من غاية عفافها. إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
تتقي الله، وتحتفل بالاستعاذة، فتنتهي عني بتعوذي. وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، أي فإني عائذة منك، أو فاتعظ بتعويذي، أو فلا تتعرض لي. ويجوز أن يكون للمبالغة، أي إن كنت تقيا متورعا، فإني أعوذ منك، فكيف إذا لم تكن كذلك.
قالَ: إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ
الذي استعذت به. لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
أي لأكون سببا في هبته بالنفخ في القميص (الدرع). وزَكِيًّا
طاهرا من الذنوب، أو ناميا على الخير والصلاح. وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ولم يباشرني رجل بالحلال من طريق الزواج. بَغِيًّا زانية.
قالَ: كَذلِكِ أي الأمر هكذا من خلق غلام منك من غير أب، أو كذلك الأمر حكم ربّك، بمجيء الغلام منك، وإن لم يكن لك زوج. هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي فإن الأمر على الله يسير سهل. وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ على قدرتنا، وهذا معطوف على جملة. هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ التي هي في معنى العلة. وَرَحْمَةً مِنَّا أي ورحمة لهم ببعثته نبيا يهتدون بإرشاده، لمن آمن به.
وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا أي وكان خلقه أمرا مقضيا به في الأزل وفي علم الله، فنفخ جبريل في جيب قميصها، فأحست بالحمل في بطنها مصورا، إذ دخلت النفخة في جوفها، وكانت مدة حملها سبعة أشهر، وقيل: ثمانية، أو تسعة، وقيل: ساعة، كما حملته نبذته، وسنها ثلاث عشرة سنة، وقيل:
عشر سنين، وقد حاضت حيضتين، والأولى أن يكون حملها في المدة المعتادة وهي تسعة أشهر، إذ لا دليل على تلك الأقوال.
فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا اعتزلت، وهو في بطنها، مكانا بعيدا من أهلها وراء الجبل.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى قصة زكريا عليه السلام، وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا، أردفه بذكر قصة مريم في إنجاب ولدها عيسى عليه السلام من غير أب، وبين القصتين تناسب وتشابه واضح

ظاهر، ولذا ذكرا معا في آل عمران وهنا وفي الأنبياء، لتقاربهما في المعنى، ليدل تعالى عباده على قدرته وعظمة سلطانه وأنه على ما يشاء قادر.
وعملا بمبدإ الانتقال في البيان والتعليم من الأسهل إلى الأصعب، بدأ تعالى بقصة يحيى عليه السلام لأن خلقه من أبوين كبيرين أقرب إلى العادة والتصديق من خلق الولد بلا أب، ثم ذكر قصة عيسى لأنها أغرب من تلك.
التفسير والبيان:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
أي واذكر يا محمد الرسول للناس في هذه السورة قصة مريم البتول بنت عمران من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، حين تنحّت، واعتزلت من أهلها، وتباعدت عنهم إلى مكان شرقي بيت المقدس أو المسجد المقدس لتنقطع إلى العبادة.
روى ابن جرير عن ابن عباس قال: إني لأعلم خلق الله لأي شيء اتخذت النصارى المشرق قبله لقول الله تعالى: انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
واتخذوا ميلاد عيسى قبلة.
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً، فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا، فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
أي استترت منهم وتوارت بساتر أو حاجز يسترها عنهم لئلا يروها حال العبادة، فأرسلنا إليها جبريل عليه السلام، متمثلا بصورة إنسان تام كامل، لتأنس بكلامه، ولئلا تنفر من محاورته في صورته الملكية، فظنت أنه يريدها بسوء.
وقوله: رُوحَنا
هو جبريل، كما جاء في آية أخرى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء ٢٦/ ١٩٣- ١٩٤].

فكان موقفها منه كما قال تعالى:
قالَتْ: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
أي قالت السيدة مريم لعذراء البتول: إني أستعيذ (أو أستجير) بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنت تخاف الله، فاخرج من وراء الحجاب. وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل، فخوفته أولا بالله عز وجل، والاستعاذة والتخويف لا يؤثران إلا في التقي، وهو كقوله تعالى: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة ٢/ ٢٧٨] أي إن الإيمان يقتضي ذلك ويوجبه، لا أن الله تعالى يخشى في حال دون حال، وهذا دليل عفتها وورعها.
فأجابها جبريل عليه السلام:
قالَ: إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
أي قال الملك جبريل مهدئا روعها ومزيلا خوفها: لست أريد بك سوءا، ولكن أنا رسول إليك من ربك الذي استعذت به، ولست ممن يتوقع منه السوء أو مما تظنين، بعثني الله إليك لأهب لك غلاما طاهرا من الذنوب، ينمو على النزاهة والعفة. وقد نسب الهبة لنفسه لجريانها على يده بأمر الله تعالى.
فتعجبت مريم مما سمعت، وقالت:
قالَتْ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ، وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا أي قالت لجبريل: كيف يكون لي غلام؟ وعلى أي صفة يوجد هذا الغلام مني، ولست بذات زوج، أو لم يقربني زوج، ولا يتصور مني الفجور، فلم أك يوما ما بغيا، أي زانية، تبغي الرجال بالأجر. وجوابها هذا لم يكن عن استبعاد لقدرة الله، وإنما عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا من رجل، والعادات عند أهل المعرفة معتبرة في الأمور، وإن حدث خلاف هذا في القدرة الإلهية، فإنها عرفت أنه

تعالى خلق أبا البشر من غير أب ولا أم، فهل سيكون هذا الولد مخلوقا بخلق الله ابتداء كآدم، أم عن طريق زوج تتزوجه في المستقبل؟
فأجابها بقوله:
قالَ: كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ، وَرَحْمَةً مِنَّا، وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا أي فقال لها الملك مجيبا لها عما سألت: إن الله قد قال: إنه سيوجد منك غلاما، وإن لم يكن لك زوج (بعل) ولا من طريق الفاحشة، فإنه على ما يشاء قادر، وليجعل خلقه برهانا للناس على قدرة بارئهم وخالقهم الذي نوّع في خلقهم، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى فقط، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى.
ويجعل هذا الغلام أيضا رحمة من الله لعباده، يبعثه نبيا من الأنبياء، يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، وكان هذا الأمر مقدرا قد قدره الله في سابق علمه، وجف به القلم، فلا يغير ولا يبدّل.
ونظير آخر الآية: كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ، إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران ٣/ ٤٧] ونظير القسم السابق له وهو: وَرَحْمَةً مِنَّا قوله سبحانه: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران ٣/ ٤٥- ٤٦].
ونظير قوله: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قوله سبحانه: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها، فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا [التحريم ٦٦/ ١٢].
وحدث مراد الله تعالى:

فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا أي لما قال جبريل لها عن الله تعالى ما قال، استسلمت لقضاء الله تعالى، فنفخ جبريل في جيب درعها (فتحة قميصها) فنزلت النفخة في جوفها، حتى ولجت فرجها، فحملت بالولد بإذن الله تعالى، فاعتزلت إلى مكان بعيد. والفاء وإن كانت للتعقيب، لكن تعقيب كل شيء بحسبه.
ولم يعيّن القرآن الكريم مدة الحمل، إذ لا حاجة لمعرفتها، لذا نرى أن حملها كان بحسب المعتاد بين النساء، وهو تسعة أشهر قمرية. وإنما اتخذت المكان البعيد لا من أجل الوضع، وإنما حياء من قومها، وبعدا عن اتهامها بالريبة.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه بداية قصة السيدة مريم العذراء، حكى فيها الحق سبحانه كيفية حملها بعيسى عليه السلام، مبينا مقدمات ضرورية لإبراز عفتها وصونها.
فهي قد اعتزلت أهلها شرقي البيت المقدس للانقطاع للعبادة وللخلوة مع الله ومناجاة ربها، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام بصورة بشر تام الخلقة لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته الحقيقية الملكية، ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر، قد خرق عليها الحجاب، ظنت أنه يريدها بسوء، فتعوذت بالله منه إن كان ممن يتقي الله.
فأخبرها جبريل بأنه رسول من عند الله بعثه إليها ليهبها غلاما طاهرا نقيا من الذنوب والمعاصي، وجعل الهبة من قبله لأنه الواسطة ورسول الاعلام بالهبة من قبله. روي أن جبريل عليه السلام حين قال لها هذه المقالة نفخ في جيب درعها وكمّها.
فتساءلت مريم عن وسيلة إيجاد الغلام، لا استبعادا لقدرة الله تعالى، ولكن أرادت معرفة كيفية تكوّن هذا الولد، من قبل الزوج الذي تتزوجه في

المستقبل، أم يخلقه الله ابتداء؟ وهي الآن ليست ذات زوج، ولم تكن في أي وقت زانية، وذكرت هذا تأكيدا لأن قولها: لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يشمل الحلال والحرام.
فأجابها جبريل: هذا أمر قدره الله وقضى به من الأزل، فهو في سابق علمه الأزلي القديم، وهو أمر هيّن يسير على قدرة الله، فهو القادر على كل شيء، وقد خلق عيسى عليه السلام من أم بلا أب، ليكون ذلك دليلا وعلامة على قدرته العجيبة في تنوع الخلق والإبداع، ويكون عيسى بنبوته رحمة لمن آمن به، وكان أمرا مقدرا في اللوح مسطورا.
فاستسلمت مريم لقضاء الله وقدره، واعتزلت بالحمل إلى مكان بعيد، حياء من قومها، وبعدا عن اتهامها بالريبة وتعيير قومها إياها بالولادة من غير زوج.
قال ابن عباس: إلى أقصى الوادي، وهو وادي بيت لحم بينه وبين إيلياء أربعة أميال. وقال ابن عباس أيضا: ما هو إلا أن حملت فوضعت في الحال. قال القرطبي: وهذا هو الظاهر لأن الله تعالى ذكر الانتباذ عقب الحمل «١».
وقال آخرون: كان الحمل بحسب المعتاد بين النساء لأن تعقيب كل شيء بحسبه، كقوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً.. [المؤمنون ٢٣/ ١٢- ١٤]. وقد ثبت في الصحيحين أن بين كل صفتين أربعين يوما، وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج ٢٢/ ٦٣] قال ابن كثير: فالمشهور الظاهر- والله على كل شيء قدير- أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن «٢».
(٢) تفسير ابن كثير: ٣/ ١١٦.

وقال محمد بن إسحاق: فلما حملت به، وملأت قلّتها، ورجعت، استمسك عنها الدم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب (المرض والضعف) والتوحم وتغير اللون، حتى فطر لسانها، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا، وشاع الحديث في بني إسرائيل، فقالوا: إنما صاحبها يوسف النجار (وهو رجل صالح من قراباتها، كان معها في المسجد يخدم معها البيت المقدس) ولم يكن معها في الكنيسة غيره، وتوارت من الناس، واتخذت من دونهم حجابا، فلا يراها أحد ولا تراه.
ويحسن أن نذكر مقطعا من حوار بين يوسف النجار ومريم، ذكره الثعلبي في العرائس عن وهب، قال: أخبريني يا مريم، هل ينبت زرع بغير بذر، وهل تنبت شجرة من غير غيث، وهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، وهذا البذر إنما حصل من الزرع الذي أنبته من غير بذر، ألم تعلم أن الله تعالى أنبت الشجرة من غير غيث، وبالقدرة جعل الغيث حياة الشجر، بعد ما خلق كل واحد منهما على حدة، أو تقول: إن الله تعالى لا يقدر على أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباتها؟
فقال يوسف: لا أقول هذا، ولكني أقول: إن الله قادر على ما يشاء، فيقول له: كن فيكون.
فقالت له مريم: أو لم تعلم أن الله خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى؟
فعند ذلك زالت التهمة عن قلبه «١».