آيات من القرآن الكريم

فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ

بأن قوله: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ [مريم: ٧] قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلَهُ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا بِعِيدٌ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَا قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ وَمَا بَعْدَهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يَصِحُّ إِدْرَاجُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إِذَا وَعَدَ عَبْدَهُ شَيْئًا عَظِيمًا فَيَقُولُ الْعَبْدُ مِنْ أَيْنَ يَحْصُلُ لِي هَذَا فَيَقُولُ إِنَّ سُلْطَانَكَ ضَمِنَ لَكَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ يُنَبِّهُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ سُلْطَانًا مِمَّا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ فكذا هاهنا.
[سورة مريم (١٩) : آية ١٠]
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ بَعْضُهُمْ طَلَبُ الْآيَةِ لِتَحْقِيقِ الْبِشَارَةِ وَهَذَا بِعِيدٌ لِأَنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ تَحَقَّقَتِ الْبِشَارَةُ فَلَا يَكُونُ إِظْهَارُ الآية أقوى من ذَلِكَ مِنْ صَرِيحِ الْقَوْلِ وَقَالَ آخَرُونَ: الْبِشَارَةُ بِالْوَلَدِ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً فَلَا يُعْرَفُ وَقْتُهَا بِمُجَرَّدِ الْبِشَارَةِ فَطَلَبَ الْآيَةَ لِيَعْرِفَ بِهَا وَقْتَ الْوُقُوعِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ هِيَ تَعَذُّرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَلَامِ لَا يَكُونُ مُعْجِزَةً ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ أَصْلًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبَةِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمِنْ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ اعْتِقَالَ اللِّسَانِ مُطْلَقًا قَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ فَلَا يَعْرِفُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ ذَلِكَ الِاعْتِقَالَ معجزا إِلَّا إِذَا عَرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَرَضٍ بَلْ لِمَحْضِ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ فَتَفْتَقِرُ تِلْكَ الدَّلَالَةُ إِلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى، أَمَّا لَوِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ عَنِ الْكَلَامِ مَعَ الْقَوْمِ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَى التَّكَلُّمِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ عَلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ذَلِكَ الِاعْتِقَالَ لَيْسَ لِعِلَّةٍ وَمَرَضٍ بَلْ هُوَ لِمَحْضِ فِعْلِ اللَّهِ فَيَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ آيَةً وَمُعْجِزَةً وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا خَصَّ ذَلِكَ بِالتَّكَلُّمِ مَعَ النَّاسِ وَهَذَا يَدُلُّ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّكَلُّمِ مَعَ غَيْرِ النَّاسِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى سَوِيًّا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صِفَةٌ لِلَّيَالِي الثَّلَاثِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ هُوَ صِفَةٌ لِزَكَرِيَّا وَالْمَعْنَى: آيَتُكَ أَنْ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مَعَ كَوْنِكَ سويا لم يحدث بك مرض.
[سورة مريم (١٩) : آية ١١]
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ قِيلَ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يَنْفَرِدُ فِيهِ بِالصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى قَوْمِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَوْحَى إِلَيْهِمْ، وَقِيلَ: كَانَ مَوْضِعًا يُصَلِّي فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَدْخُلُونَهُ لِلصَّلَاةِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَأَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ لِلْإِذْنِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْحَى إِلَيْهِمُ الْكَلَامَ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ فَكَانَ الْمُرَادُ غَيْرَ الْكَلَامِ وَهُوَ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ ذَلِكَ إِمَّا بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِرَمْزٍ مَخْصُوصٍ أَوْ بِكِتَابَةٍ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَا بُشِّرَ بِهِ فَكَمَا حَصَلَ السُّرُورُ لَهُ حَصَلَ لَهُمْ فَظَهَرَ لَهُمْ إِكْرَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ

صفحة رقم 515
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية