
أكلاً، يقال: أرض جُرُز، وأرَضُون أَجْرازٌ) (١).
وامرأة جَرُوز إذا كانت أكولا، وسيف جرَّاز إذا كان مستأصلاً (٢)، ونذكر شيئًا من هذا عند قوله: ﴿نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] إن شاء الله.
قال مجاهد في هذه الآية: (بلاقع ليس فيه نبات) (٣). وقال عطاء عن ابن عباس في هذه الآية: (يريد يوم القيامة يجعل الله الأرض جرزًا ليس فيها ماء ولا نبات) (٤).
٩ - قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾ الآية. ذكرنا سبب نزول قصة أصحاب الكهف عند قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥]. وذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه القصة مشروحًا، فقال: (كان النضر ابن الحارث من شياطين قريش، كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة، وكان قدم الحيرة (٥) وتعلم بها أحاديث رستم (٦)،
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (جرز) ١/ ٥٨٠، و"مقاييس اللغة" (جرز) ١/ ٤٤١، و"الصحاح" (جرز) ٣/ ٨٦٦، و"المفردات في غريب القرآن" (جرز) (٩١).
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨١، و"تفسير مجاهد" ١/ ٣٧٣.
(٤) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٦، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٦ - ١٠٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٣٥٦.
(٥) الحِيرة -بكسر الحاء وسكون الياء-: مدينة مشهورة على ثلاثة أميال من الكوفة، تقع على نهر يربطها بالفرات، وكانت مسكنًا لملوك العرب في المجاهلية التابعين لمملكة الفرس، وهى قريبة من النجف. انظر: "معجم البلدان" ٢/ ٣٢٨، و"معجم المعالم الجغرافية" ص ١٠٧.
(٦) رستم الشديد بن دستار بن بريمان، من ملوك الفرس. انظر: "تاريخ الطبري" =

واسفنديار (١)، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس مجلسًا ذكر فيه الله تعالى، وحذر قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: وإنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه فهلمّوا أحدثكم بأحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس، فبعثته قريش، وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط (٢) إلى أحبار يهود [بالمدينة، وقالوا لهما: سلوا عن محمد، وعن صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم من العلم مما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا أحبار يهود] (٣) عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووصفوا لهم صفته، وأخبروهم بأمره وببعض قوله، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث: عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإنه كان لهم حديث عجيب، وعن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبأه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فهو متقوّل. فأقبل النضر بن الحارث وصاحبه حتى قدما مكة وقالا: قد جئناكم بفصل ما بيننا وبين محمد، وأخبراهم بما قالت اليهود. فجاؤوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألوه عن هذه الأشياء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أخبركم بما سألتم عنه غدًا". ولم يستثن،
(١) اسفنديار بن بشتاسب، من ملوك الفرس. انظر: "تاريخ الطبري" ١/ ٥٦٢، و"الروض الأنف" ٢/ ٥٢، و"الكامل في التاريخ" ١/ ١٥٤.
(٢) عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن أبي معيط، من مقدمي قريش في الجاهلية، كنيته أبو الوليد، وكنية أبيه أبو معيط، كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، أسر يوم بدر وقتل وصلب. انظر: "الروض الأنف" ٢/ ٧٦، و"ابن الأثير" ٢/ ٢٧، و"الأعلام" ٤/ ٢٤٠.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).

فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يذكرون خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه خبر، حتى أرجف أهل مكة به، وقالوا: وعدنا محمد غدًا واليوم خمس عشرة ليلة، وشقّ عليه ذلك، ثم جاءه جبريل من الله -عز وجل- بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبة الله إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوا عنه من أمر الفتية، والرجل الطوّاف) (١).
وافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروه عليه من ذلك وهو قول: ﴿أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الكهف: ١]، فذكر أنه أنزل عليه القرآن للإنذار والتبشير إلى قوله: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾، يعني قريشًا في قولهم: الملائكة بنات الله (٢).
ثم عاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم من الإسلام بقوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ الآية. ثم قال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ أيهم أتبعُ لأمري وأعمل بطاعتي، ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾، يعني أنَّ ما على الأرض فانٍ زائل، وأن المرجع إلى فأجزي كلا بعمله، فلا يحزنك ما ترى وتسمع.
ثم أخبر عن ما سألوه عنه من شأن الفتية فقال: ﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ فقال أبو إسحاق: (معناه: بل حسبت) (٣). والكلام في ﴿أَمْ﴾ في مثل هذا
(٢) نحو قوله تعالى في سورة النحل الآية رقم (٥٧): ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾، وقوله سبحانه في سورة الصافات الآية رقم (١٤٩): ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٢٨٥.

الموضع قد ذكرناه في قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٢١٤] وفي غيره من مواضع (١).
وقوله: ﴿أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾ يعني أولئك الفتية الذين سئل عن قصتهم (٢).
و ﴿الْكَهْفِ﴾ قال الليث: (كالمغارة في الجبل) (٣). روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: (كل القرآن أعلمه إلا أربعة: غسلين (٤)، وحنان (٥)، والأواه (٦)، والرقيم) (٧).
وروى عكرمة أيضًا عن ابن عباس أنه سئل عن الرقيم فقال: (زعم كعب أنها القرية التي خرجوا منها) (٨)؛ ونحو هذا قال السدي (٩).
(٢) في نسخة: (س): (بعضهم)، وهو تصحيف.
(٣) "تهذيب اللغة" (كهف) ٤/ ٣١٩٩.
(٤) الواردة في قوله سبحانه: ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٦].
(٥) في قوله تعالى: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٣].
(٦) في قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾. ومثلها قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥].
(٧) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٣٩٧، و"جامع البيان" ١٥/ ١٩٨، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٧ - ٢٣٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤.
(٨) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٣٩٧، و"جامع البيان" ١٥/ ١٩٨، و"بحر العلوم" ٢/ ٢٩٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٣.
(٩) "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٨، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤ وعزاه لابن أبي حاتم، و"التفسير الكبير" ١١/ ٨٢.

وروي كن ابن أبي طلحة عنه قال: ("الرَّقِيم": الكتاب) (١).
وهو قول مجاهد (٢). وسعيد بن جبير قال: ("الرَّقِيم": لوح من حجارة) (٣).
وقيل: (من رصاص كتب فيه أسماؤهم وقصتهم، وجعل في البناء على باب الكهف) (٤)، ونحو هذا قال عطاء عن ابن عباس (٥)، وهو قول جميع أهل المعاني والعربية قالوا: (الرقيم: الكتاب) (٦).
والأصل فيه المرقوم ثم حُول إلى فعيل، والرَّقْم: الكتابة، ومنه قوله -عز وجل-: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٩] أي: مكتوب، وأنشدوا (٧):
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٩٨٥ - ١٩٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢ عن ابن عباس، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤ عزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٩، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٥، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤.
(٤) "بحر العلوم" ٢/ ٢٩٠، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤ - ١٤٥، و"الكشاف" ٢/ ٣٨١، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٨٣، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠١.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٩، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤ - ١٤٥، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٧، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٦٩، و"معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٣٤، و"إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٣٩٥، و"تهذيب اللغة" رقم ٢/ ١٤٥٤، و"مقاييس اللغة" رقم ٢/ ٤٢٥، و"المفردات في غريب القرآن" رقم (٢٠١).
(٧) لم أهتد إلى قائله، وذكرته كتب اللغة بدون نسبة. القَرَاح: الماء الذي لا يخالطه شيء يطيب به كالعسل والتمر والزبيب. انظر: "تهذيب اللغة" رقم ٢/ ١٤٥٤، و"مقاييس اللغة" مريم ٢/ ٤٢٥، و"لسان العرب" رقم ٣/ ١٧٠٩.

سأرقم في الماء القراح إليكم | على بعدكم إن كان في الماء راقمُ |
وقوله تعالى: ﴿كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ قال مجاهد، وسفيان: (لم يكونوا بأعجب آياتنا) (٤). قال المفضل: (أم حسبت أنهم كانوا عجبًا من آياتنا فقط، فلا يحسن ذلك، فإن آياتنا كلها عجيب) (٥). وقال أبو إسحاق: (أعلم الله أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله؛ لأن خلق السموات والأرض وما بينهما مما يشاهد أعجب من قصة أصحاب الكهف) (٦). والعجب هاهنا مصدر سمي المفعول به.
والتقدير: كانوا معجوبًا منهم، فسموا بالمصدر، والمفعول من هذا يستعمل باسم المصدر (٧).
(٢) في (ص): (من قومه)، وهو تصحيف.
(٣) وهذا القول هو الراجح، وهو الذي تعضده اللغة، ورجحه أكثر المفسرين. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ١٩٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٥٤، و"لسان العرب" رقم ٣/ ١٧١٠.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ١٩٧، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤ بدون نسبة، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢، و"الدر المنثور" ٤/ ٣٨٤.
(٥) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٥/ ١٩٧، و"الكشف والبيان" ٣/ ٣٨٥ ب، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٢٣٧، و"معالم التنزيل" ٥/ ١٤٤، و"زاد المسير" ٥/ ١٠٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٨٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٧٠.
(٧) "الكشاف" ٢/ ٣٨١، و"الدر المصون" ٧/ ٤٤٦، و"البحر المحيط" ٦/ ١٠١، و"التفسير الكبير" ١١/ ٨٣.