آيات من القرآن الكريم

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

هذه المعاني، مما يمكن أن يكون فيه قرينة على صحة ترتيب النزول.
وينطوي في جملة لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧) تقرير كون الله عز وجل قد أودع في الناس قابلية الاختيار والكسب وبيّن لهم طريق الخير والعمل الحسن وعكسها، وحملهم مسؤولية اختيارهم وأعمالهم. وهو ما قررته آيات كثيرة أخرى منها ما جاء بعبارة مماثلة لهذه العبارة، ومنها ما جاء بعبارة مغايرة، وقد مرّ من ذلك أمثلة عديدة بحيث يصح القول إن هذا من الأصول القرآنية المحكمة. وقد علقنا على عبارة مماثلة لها وردت في سورة هود فليرجع إليه القارئ ثانية ليستوعب مدى الآية.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩ الى ٢٦]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣)
إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)

صفحة رقم 53

(١) الكهف: المغارة.
(٢) الرقيم: قيل إنه اسم لجبل أو لواد وقيل إنه بمعنى المكتوب من الرقم وإنه لوح وجد في مقبرة أصحاب الكهف مكتوب فيه أسماؤهم وقصتهم وهو الأوجه.
(٣) أوى: دخل ولجأ.
(٤) فتية: شباب.
(٥) ضربنا على آذانهم: جعلناهم يفقدون الوعي فلا يسمعون.
(٦) أحصى: أكثر إحصاء وحسابا وعلما.
(٧) ربطنا على قلوبهم: ثبتناهم وصبّرناهم.
(٨) شططا: بعدا عن الحق.
(٩) إذ اعتزلتموهم: ضمير الجمع الغائب راجع إلى الفتية. والجملة من

صفحة رقم 54

حكاية ما دار بينهم من حديث في صدد انحراف قومهم نحو الشرك.
(١٠) مرفقا: بمعنى فرج أو نجاة.
(١١) تزاور: تميل.
(١٢) تقرضهم: تعدل عنهم.
(١٣) في فجوة منه: في ساحة من ساحاته أو متسع منه.
(١٤) وتحسبهم أيقاظا وهم رقود: تظنهم وهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال أنهم أيقاظ مع أنهم نائمون.
(١٥) بالوصيد: بالباب.
(١٦) بعثناهم: أيقظناهم.
(١٧) ورقكم: عملتكم الفضية.
(١٨) أزكى طعاما: أطيب طعاما.
(١٩) وليتلطف: ليتحفظ وليحذر من إشعار الناس بهم.
(٢٠) إن يظهروا عليكم: إن يكشفوا أمركم.
(٢١) أعثرنا عليهم: جعلنا قومهم يعثرون عليهم.
(٢٢) الذين غلبوا على أمرهم: كناية عن أصحاب السلطة والحكم.
(٢٣) فلا تمار فيهم: فلا تجادل في أمرهم أو فلا ترتب في أمرهم.
(٢٤) أبصر به وأسمع: ما أشدّ بصره وما أشدّ سمعه أو شديد السمع والبصر.
يحتوي هذا الفصل قصة أصحاب الكهف والرقيم، وتعليقا عليها.
وقد احتوت الآيات عن القصة ما مفاده: أن أصحاب الكهف والرقيم فتية استنارت بصائرهم فاهتدوا وآمنوا بالله وحده، في حين كان قومهم منحرفين مشركين يدعون مع الله آلهة أخرى. وقد تجهموا لهم وأرادوا ردهم إلى دينهم، فدعا الفتية الله أن يشملهم برحمته ويجعل لهم مخرجا من مأزقهم. ثم قرروا فيما بينهم أن يعتزلوا قومهم ويلجأوا إلى أحد الكهوف. فلما فعلوا سلط الله عليهم نوما طويلا جدا، وكانوا في ساحة من ساحات الكهف لا تصيبهم الشمس بأذاها حينما

صفحة رقم 55

تطلع وحينما تغرب حيث تميل عنهم في الطلوع وتعدل عنهم في الغروب. وكانوا يتقلبون بإذن الله يمينا وشمالا، لئلا تتهرّأ جنوبهم من طول الرقاد على ما هو المتبادر من العبارة، حتى ليحسبهم الناظر إليهم أنهم أيقاظ. وكان لهم كلب قد أقعى وبسط ذراعيه في باب الكهف، وصار منظرهم رهيبا يبعث الرعب في القلوب. ثم شاء الله أن يستيقظوا فأخذوا يتساءلون عن المدة التي قضوها نائمين، وظنّ أحدهم أنها يوم أو بعض يوم، ثم أرسلوا أحدهم بعملة فضية إلى المدينة ليأتيهم بطعام طيّب، ووصّوه بالتحفظ والحذر لئلا يكتشف قومهم مخبأهم فيرغموهم على الرجوع إلى دينهم القديم أو يزهقوا أرواحهم رجما. غير أن الله شاء أن يعثر قومهم على أمرهم، فهرعوا إلى الكهف ليروا آية الله تعالى فيهم، ويتيقنوا من الحق في وعد الله بالساعة، ثم تشاوروا فيما يفعلونه بهم فقرر أصحاب الأمر والسلطان أن يبنوا عليهم مسجدا، حيث يتبادر من ذلك أنهم لم يلبثوا أن توفّاهم الله عقب انكشاف أمرهم.
أما التعليق فهو:
١- حكاية ما سوف يقوله السامعون عن عددهم حيث يقول فريق إنهم ثلاثة رابعهم كلبهم، وفريق إنهم خمسة سادسهم كلبهم، وفريق إنهم سبعة وثامنهم كلبهم.
٢- وأمر للنبي ﷺ بتفويض أمر العلم بهم إلى الله تعالى، وبالقول إنه لا يعلمهم إلّا قليل من الناس وبألا يجادل أو يشك في أمرهم أو يهتم بأمرهم اهتماما كبيرا، وبألا يسأل عنهم أحدا من السامعين، وبأن لا يقول إني فاعل هذا الشيء غدا إلا مع القول إلا أن يشاء الله مع واجب ذكر ربه إذا نسي أمرا ودعاء الله بأن يهديه إلى ما هو الأقرب إلى الرشد والحق.
٣- وإخبار بأنهم قد لبثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين.
٤- وأمر آخر للنبي ﷺ بأن يقول إن الله هو أعلم بما لبثوا وهو العالم بما خفي من أمور السموات والأرض وهو الشديد السمع والبصر لا شريك له في حكمه وليس لأحد ولي حقيقي دونه.

صفحة رقم 56

تعليقات على آيات قصة أصحاب الكهف والرقيم
ولقد تعددت روايات المفسرين «١» عن القصة واحتوت هذه الروايات بيانات كثيرة عن أصحابها لا تخلو من اختلاف وتغاير ومبالغة وتداخل. وهي مروية عن رواة الأخبار وبعض التابعين مثل محمد بن إسحاق وابن حميد والحكم بن بشير.
والمختصر المفيد الذي يمكن استخلاصه وبإيجاز من الروايات والذي قد يكون فيه بعض الحقائق هو أن الفتية من مدينة أفسوس أو طرسوس وأنهم ثمانية أشخاص وأن أسماءهم هي مكسلمينا ومحسيميلينا ويمليخا ومرطوس وكشوطوش وبيرونس ودينموس ويطونس قالوس «٢» وأن أحد حواريي عيسى جاء إلى مدينتهم وبشر برسالة المسيح فآمنوا مع جماعة من مدينتهم، وكان ملكهم أو ملك الروم الذي كانت البلاد تحت حكمه وثنيا ظالما اسمه دقينوس أو دقيانوس كان يضطهد المؤمنين ويعذبهم أشد العذاب فقدم إلى هذه المدينة وجعل يفعل في مؤمنيها كذلك وأزهق أرواح كثير منهم وأنذر الفتية ومنّاهم وأمهلهم فأبوا أن يرتدوا إلى الوثنية وخافوا من العذاب والإكراه فلجأوا إلى كهف في أحد جبال المدينة وتبعهم راع مع كلبه. وكانوا يرسلون أحدهم للتموّن والاستطلاع. وعاد الملك فتفقدهم وأخذ يبحث عنهم حتى وجدهم في الكهف وكان الله قد ضرب عليهم النوم الطويل فظن الملك أنهم قد ماتوا فردم عليهم الكهف. وشاء الله بعد النوم الطويل أن يستيقظوا فلما استيقظوا ظنّ بعضهم أنهم لم يلبثوا في نومهم إلّا يوما أو بعض يوم ولم يروا على أنفسهم تغيرا ثم أرسلوا أحدهم- يمليخا- إلى المدينة فصار ينكر ما يرى من وجوه ومناظر وسمع الناس يذكرون المسيح بالتقديس ويظهرون شعائر النصرانية بحرية فازداد عجبه وأنكر الباعة ما قدمه لهم من العملة الفضية التي مرّ عليها مئات السنين، وظنوا أنه من كنز دفين وجده فأخذوه إلى رؤساء المدينة،

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.
(٢) انظر الطبري.

صفحة رقم 57

وكانوا كذلك من النصارى، فاطمأنّ وقصّ عليهم قصته وقصة رفاقه فعجبوا واعتبروا ذلك آية من آيات الله، وازدادوا إيمانا بالبعث، وأرسلوا إلى ملكهم الذي كان هو الآخر يدين بالنصرانية واسمه يندوسيس فجاء ليرى آية الله بدوره وكان الناس قد استدلوا على الكهف فهرع مع أهل المدينة ولما شعر الفتية بمجيئهم أخذوا يحمدون الله ويسبحونه، ثم لم يلبثوا أن توفّاهم الله فدخل الملك مع الناس الكهف فوجدوهم قد ماتوا فتشاوروا، ثم قرر الملك أن يبني عليهم مسجدا. أما الرقيم الذي كتبت عليه قصتهم فالروايات تذكر أن رجلين مؤمنين من آل دقليانوس أو عهده وأمته مرّا بالكهف بعد أن ضرب الله عليهم النوم فعرفاهم وعرفا قصتهم فكتبا أسماءهم وقصتهم على لوحين من رصاص ووضعاهما في تابوت عند رؤوسهم ليعرفهم الناس في الأجيال القادمة.
هذا كما قلنا موجز ملخص من الروايات مع التنبيه على أن هناك تضاربا في الأسماء والأحداث لم نر طائلا من التعلق به عدا مسألتين أولاهما معنى الرقيم وثانيهما مكان الكهف حيث جاء في بعض الروايات المعزوة إلى ابن عباس وغيره أن الرقيم هو اسم للقرية التي منها أصحاب الكهف أو اسم الجبل أو الوادي الذي فيه الكهف، وأنه قريب من الأيلة دون فلسطين حيث يكون الحادث حسب هذه الرواية في أرض شرق الأردن التي كانت هي الأخرى منذ القرن الثاني بعد الميلاد تحت سلطان الروم وكانت مجالا للحركة النصرانية تبشيرا ومناوأة.
ومهما يكن من أمر فإن فحوى الآيات يلهم أن في قصة أهل الكهف شيئا خارقا للعادة جرى بأمر الله وحكمته، وعلى المسلم واجب الإيمان به لأن ذلك مما أخبر به القرآن وهو في نطاق قدرة الله تعالى هذا أولا، وثانيا إن فحوى الآيات وروحها معا يلهمان أن القصة لم تكن مجهولة في بيئة النبي ﷺ من جهة، وأنها كانت موضوع حديث وعجب وتساؤل من جهة ثانية. وإن البيانات المسهبة التي رواها رواة الأخبار والتابعين من الدلائل على ذلك، وأنها من قصص التاريخ النصراني في بلاد الشام في دور حكم الرومان وفي الدور الذي كان الرومان وثنيين أي قبل القرن الرابع بعد الميلاد. وأنها عرفت في بيئة النبي ﷺ عن طريق النصارى

صفحة رقم 58

الذين كانوا في مكة أو الذين كان العرب يتصلون بهم في أسفارهم. والتاريخ يذكر أنه كان بين أباطرة الرومان الوثنيين امبراطور اسمه دقليانوس حكم بين سنتي ٢٨٤- ٣٠٥ ب. م وكان شديد الوطأة على النصرانية ومتبعيها الذين كان أكثرهم في بلاد الشام ومصر فقاسوا على يديه بلاء عظيما أشد من غيره، ثم صارت النصرانية في أوائل القرن الرابع بعد الميلاد دين الدولة الرومانية واستمرت كذلك وطوردت الوثنية حتى كادت تنقرض، وتمتعت النصرانية وأتباعها بالطمأنينة والأمن إجمالا».
ولقد أوردنا في سياق آية الإسراء [٨٥] الروايات التي تذكر أن هذه القصة إحدى ثلاث مسائل سألها اليهود للنبي ﷺ في المدينة أو سألها المشركون في مكة للنبي بإيعاز من اليهود وفندناها. والذي نرجحه أن هذا الفصل في القصة قد نزل بناء على سؤال طرح على النبي ﷺ في مكة مما يمكن أن يلمح ضمنا من مجموع الآيات وبخاصة من الآية الأولى منها التي تضمنت بأسلوب السؤال الإنكاري تقرير كون قدرة الله عز وجل لا يعجزها شيء، فلا ينبغي أن تكون قصة أصحاب الكهف والرقيم وحدها المثيرة لعجب الناس حينما تبلغهم فتجعلهم يتساءلون عنها تساؤل المتعجب المندهش. ونميل إلى ترجيح كون بعض المسلمين هم الذين سألوا بقصد الاستفسار والتأكد بعد أن سمعوا القصة من بعض النصارى في مكة الذين كانوا على صلة حسنة إجمالا مع الإسلام والمسلمين دون المشركين الذين كان التوتر واللجاج مشتدين بينهم وبين النبي ﷺ والمسلمين.
وقد يرد سؤال عما إذا كان النبي ﷺ يعرف القصة أو سمعها من النصارى ولا نستبعد ذلك. ولسنا نرى هذا متعارضا مع ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاءه من صورها. فهذا ملموح في كثير من أحداث بيئة النبي ﷺ وعصره ومشاهدها التي ذكرت في القرآن والتي لا بدّ من أن يكون النبي ﷺ ملمّا بها قبل نزول الآيات التي اقتضت حكمة التنزيل ذكرها.

(١) انظر الجزء الثاني من المجلد الثالث من تاريخ المطران الدبس والجزء الثاني من المجلد الرابع أيضا.

صفحة رقم 59

ومن الجدير بالتنبيه على كل حال أن آيات القصة والتعليق عليها قد جاءت بالأسلوب الذي امتاز به القصص القرآني وتوخى فيها الموعظة والتذكير وتدعيم الدعوة النبوية مما هو من مميزات هذا الأسلوب، ومما ينطوي فيه حكمة الإيحاء بما أوحى به من صورها.
فهناك تماثل بين الفتية المؤمنين وقومهم المشركين وبين النبي ﷺ والمؤمنين معه الذين كان عدد كبير منهم من شبان قريش الذين كان آباؤهم مشركين مناوئين للدعوة المحمدية وكانوا يتعرضون لأذى آبائهم واضطهادهم بقصد ردهم إلى الشرك بعد الإيمان، والبعث والنشور والجزاء الأخروي من أهم ما كان يثير الجدل بين النبي ﷺ والمشركين. والقصة قد احتوت خبرا فيه آية من آيات الله تتصل ببعض مشاهد البعث بعد الموت في واقعة شوهدت من قبل جمهور عظيم من الناس وتنوقلت أخبارها العجيبة.
وفي كل هذا مواضع للعبرة والتطمين والأسوة والإنذار والتدعيم كما هو واضح، ويلفت النظر بخاصة إلى الآية [٢١] حيث احتوت إشارة إلى أن العثور على الفتية بعد أن استيقظوا وماتوا كان وسيلة لجعل الناس يتيقنون بأن وعد الله حقّ وأن الساعة آتية لا ريب فيها مما هو متصل بما نقرره.
كذلك يلفت النظر إلى أن الآيات الأولى من السورة حملت على الذين يقولون إن لله ولدا وإن هذه القصة النصرانية التي جاءت على أثرها تقرر أن الفتية كانوا يؤمنون بالله وحده وأن هذا الإيمان هو الذي جعلهم موضع عناية الله ورحمته. فقد يلهم هذا وجود صلة بين آيات القصة ومطلع السورة ويلهم أنها قد توخّي فيها التدعيم للدعوة النبوية. وبخاصة التوحيد الذي لا شائبة فيه ولا تأويل، ومن الجدير بالذكر أن الخلاف كان مستشريا بين فرق النصارى منذ القرن الميلادي الأول حول المسيح حيث كان بعضهم لا يسوّي بين المسيح والله ولا يعتقد ببنوته الطبيعية له كما كان يعتقدها بعضهم، وبعضهم يعتبره بشرا مرسلا من الله ولد بمعجزة وبعضهم يعتبره رمزا لله وحسب على ما شرحناه وأوردنا شواهده ومصادره

صفحة رقم 60

في سياق سورة مريم «١». وإلى هذا ففي الآيتين [٢٣ و ٢٤] تلقينات مهمة إيمانية وسلوكية للمسلمين وقد أفردنا لهما بفقرة خاصة تأتي فيما بعد.
ولقد تخلل الآيات جريا على الأسلوب القرآني مقاطع متصلة كذلك بالهدف التدعيمي الذي نوهنا به آنفا سواء فيما كان من الثناء على الفتية أم في شمول رحمة الله لهم أم في التنديد بالذين اتخذوا من دون الله آلهة كذبا وافتراء.
والآية الأولى التي جاءت كمقدمة قد تضمنت معنى التنبيه على القصة وما فيها من مشهد قدرة الله وكون ذلك من آيات الله التي تبدو للناس عجيبة. فكأنما أريد أن يقال إن وقوع ما يبدو عجيبا لكفار العرب من شأنه أن يقنعهم بإمكان وقوع ما ينذرون به مما هو مماثل له في صدد قدرة الله تعالى، وفي هذا ما فيه من معنى التدعيم أيضا.
والآيات الأخيرة من السلسلة يمكن أن يلمح فيها أن الإيحاء بآيات القصة قد استهدفت هذا التدعيم في الدرجة الأولى. فالناس يتناقشون في عدد الفتية فيؤمر النبي ﷺ بألا يهتم لهذا النقاش كثيرا وألا يماري فيهم إلا مراء ظاهرا، ويتناقشون في عدد السنين فيؤمر النبي ﷺ بأن يكل ذلك إلى علم الله الذي يعلم غيب السموات والأرض والمتصف بأكمل صفات السمع والبصر والذي ليس لأحد من دونه ولي حقيقي وليس له في ملكه وحكمه شريك ويؤمر كذلك بعدم التعمق في الأمر وعدم استفتاء الغير فيه.
ولقد نقل الطبري وغيره عن قتادة أحد علماء التابعين أن تعبير وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) وهو ما ورد في الآية [٢٥] هو حكاية لقول أهل الكتاب، فأمر النبي ﷺ بالرّد عليهم بأن الله تعالى هو الأعلم بما لبثوا، ونرى هذا وجيها ومتسقا مع أسلوب العبارة القرآنية حيث تكون الآية [٢٥] تتمة للكلام السابق للآية [٢٣] وتكون الآيتان [٢٣ و ٢٤] اللتان ليستا من سياق القصة قد جاءتا لتنبيه النبي ﷺ إلى ما يجب عليه مما سيكون موضوع تعليق آخر

(١) انظر المجلدين المذكورين آنفا من تاريخ المطران الدبس.

صفحة رقم 61

يأتي بعد هذه النبذة. ويكون ذلك القول والحالة هذه متوافقا مع مدى القصد المراد من إيراد القصة الذي نوهنا به آنفا.
تعليق على الآية وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً والآية التي بعدها
والآيتان هاتان ليستا من سياق القصة كما قلنا آنفا، وقد احتوتا استطرادا استدراكيا فيه تنبيه للنبي ﷺ بما يجب عليه حينما يقول أنه سيفعل شيئا وحينما ينسى ما يجب عليه. وقد أوردنا في سياق تفسير الآية [٨٥] من سورة الإسراء رواية طويلة عن قتادة ذكرت أن الآيتين نزلتا بسبب وعد النبي ﷺ بالإجابة على الأسئلة عن الروح وفتية الكهف وذي القرنين التي سأله عنها المشركون بإيعاز من اليهود غدا دون أن يقول (إن شاء الله) وأن الوحي توقف عن النبي ﷺ ردحا من الوقت حتى صار المشركون يسخرون منه، وحزن من ذلك حزنا عظيما، ولقد علقنا على الرواية ونبهنا على ما فيها من مآخذ بالنسبة للسؤال عن الروح الوارد في سورة الإسراء والذي أوردت الرواية في سياقه. غير أن ورود الآيتين خلال آيات قصة أصحاب الكهف والرقيم وقبل أن ينتهي الكلام عنها- لأن في الآيات التي بعدها تتمة للتعليق عليها- يلهم أن لهما علاقة ما بها وأن في ما ورد في الرواية المذكورة شيئا ما من حقيقة هذه الصلة.
والذي يتبادر لنا أن الآيتين قد نزلتا في صدد هذه القصة وحدها. وأن من المحتمل أن يكون النبي ﷺ قد استمهل السائلين ونسي تعليق الأمر على مشيئة الله تعالى، فأوحى إليه بهما من قبل الاستطراد والاستدراك في سياق الآيات الموحى بها في القصة.
ولقد انطوى في الاستدراك شيء من العتاب الرباني للنبي ﷺ على ما كان منه خلاف الأولى الذي هو في علم الله مما تكررت صور منه ومرّ بعض أمثلته.
وفي تسجيله وتسجيل ما أوجب الله على النبي ﷺ في سياقه من واجب تعليق تنفيذ

صفحة رقم 62
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية