آيات من القرآن الكريم

وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (٥٦)
" ما " نافية، و " إلا " استثناء، فيكون في الكلام نفي وإثبات، وهذا يفيد القصر، أي ليس إرسال الرسل إلا لتبشير المؤمنين بالزلفى عند اللَّه، ودخول الجنة، وإنذار الكافرين بالبعد عن اللَّه وعن جنته، وإن ذلك كان يوجب الاعتبار، وتفهم ما جاء به الرسل، والإيمان به لأنه خيرهم ومصلحتهم وتهذيبهم، ولكنهم بدل أن يفتحوا عقولهم للتدبر وفقه الأمور، أخذوا يعملون تفكيرهم في رد الحق فهم بمنأى عن شرع اللَّه، كمن يفرض على شيء علما، فلا يتفهمه، ويكون تفكيره في رده، والتحايل على الخروج عنه؛ ولذا قال: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَروا بِالْبَاطِلِ)، يجادلون جدال مماراة، ولذا قال: (بِالْبَاطِلِ)، أي متلبسين في جدلهم بالباطل وتلبسهم بالباطل، لأنهم يدافعون عنه، ولأنهم يثيرون ترابا بهذا الجدل حول الحق، ولأنهم يفكرون في دائرته، وغايته إدحاض الحق؛ ولذا قال: (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)، وأصل الدحض الزلق يقال: دحضت رجله، أي زلقت، ودحضت الشمس عن كبد السماء أي زالت، فكان في الكلام مجاز بتشبيه الحق وقد ثارت حوله المثارات بجدلهم، بمن تزلق قدمه فيسقط وإن ذلك غايتهم وباعثهم، ولكنهم لا ينالونه، وهو مبتغى لَا يصلون إليه، واللام هنا لام التعليل وبيان الباعث.

صفحة رقم 4549

وإن هذا الباعث الذي بعثهم على جدلهم، وهو باطل أضافوا إليه أمرا زادهم ضلالا، وإمعانا في الفساد، وقال تعالى فيه (وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا) الآيات هي المعجزات التي جاء بها الرسل للدلالة على الرسالة، وأنهم يتكلمون عن اللَّه تعالى لَا من عند أنفسهم، أخذوا يستهزئون، ففرعون استهزأ بالمعجزات وهي تسع آيات ولم يذعن لها، وعاد وثمود وقوم نوح ولوط استهزأوا بالآيات حتى دهمتهم من حيث لَا يشعرون، وأنتم معشر العرب سرتم مسار هؤلاء فاستهزأتم بالقرآن، وقد تحداكم أن تأتوا بمثله فعجزتم وما أصغيتم بعد عجزكم للحق، بل زدتم طغيانا، واستهزأوا مع الآيات، استهزأوا بما أنذروا به، وكان استهزاؤهم به بأن لم يلتفتوا إليه، وبأن تهكموا حتى أنه يروى أن أبا جهل كان يقول متهكما على النار: إن محمدا يقول لكم إنه يأتيكم بالنار ولأصحابه بجنات كجنات الأردن، وهنا ملاحظة بيانية أنه ذكر الذين يجادلون بالاسم الموصول (الَّذِينَ كَفَرُوا) لبيان أن الكفر سيق إلى قلوبهم فسدَّ مسامع الإدراك، ولبيان أن السبب في جدلهم هو الكفر، وإن هؤلاء ظالمون، ولذا قال تعالى بعد ذلك:

صفحة رقم 4550
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية