
قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ قال قتادة: (أعوانا) (١). ولفظ العَضُد يستعمل كثيرًا في معنى العون، وذلك أن العضْد قوام اليد، منه الاعتضاد وهو التَّقوِّى، واعتضدت بفلان معناه: استعنت به، ومن هذا قوله تعالى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ [القصص: ٥٣] أي: سنعينك ونقويك، وكل معين فهو عضد، وعاضدني فلان أي: عاونني، وفي العضد لغات: عَضُد، وعَضْد، وعُضُد، وعُضْد (٢). والناس على أن معنى هذا: استغنى الله تعالى بقدرته عن الأنصار.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: (يريد: لم يعضدوا لي وليًا، ولم ينصروا لي عبدًا، ولم يقوموا لأحد من أوليائي بحق) (٣). ومعنى هذا: أنهم لو نصروا أولياء الله لكان كأنهم نصروا الله، ولما لم يفعلوا ذلك أخبر الله تعالى أنه لم يتخذهم أعوانًا. والقول هو الأول، وإنما قال: عَضُد على واحد لوفاق الفواصل.
٥٢ - قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ﴾ أي: الله تعالى، وقراءة العامة: بالياء لقوله: ﴿شُرَكَائِيَ﴾ وقرأ حمزة: بالنون (٤)، حملاً على ما تقدم في المعنى من قوله: ﴿وَمَا كُنْتُ﴾ [الكهف: ٥١] فكما أن كنت للمتكلم كذلك: نقول، والجمع والإفراد في ذلك بمعنى.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (عضد) ٣/ ٢٤٧١، "مقاييس اللغة" (عضد) ٤/ ٣٤٨، "القاموس المحيط" (العضد) ١/ ٢٩٩، "الصحاح" (عضد) ص ٥٠٩.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وعاصم: (يقول) با لياء. وقرأ حمزة: (نقول) بالنون. انظر: "السبعة" ص ٣٩٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٥١، "المبسوط في القراءات" ٢٣٦، "التبصرة" ص ٢٤٩، "النشر" ٢٠/ ٣١١.

قال ابن عباس: (يريد يوم القيامة) (١). قال المفسرون: (يقول الله تعالى يوم القيامة: ادعوا الذين أشركتم بي ليمنعوكم من عذابي) (٢). وهو قوله: ﴿نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد في الدنيا) (٣) ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ قال أنس: (هو واد في جهنم من قيح ودم) (٤). وهو قول مجاهد، وعبد الله بن عمر (٥).
وقال نوف البكالي: (هو واد بين أهل الضلال وبين أهل الإيمان) (٦). وقال البكالي: (هو واد يفرق به (٧) بين أهل لا إله إلا الله ومن سواهم) (٨). وهذا القول يوافق قول ابن عباس في رواية عطاء فإنه قال: (يريد حِجازًا وحاجزْا) (٩). ونحو هذا قال ابن الأعرابي في الموبق قال: (وكل حاجِز بين شيئين فهو مُوبِق) (١٠). وعلى هذا القول الكناية في قوله: ﴿بَيْنَهُمْ﴾ يعود
(٢) "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢.
(٣) ذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٠١ بلا نسبة، والسمرقندي ٢/ ٣٠٣.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٥، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٦ "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠١٢.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "معالم التنزيل" ٥/ ١٨١ بمعناه بدون نسبة لابن عمر، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٥، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٤.
(٦) ذكره الطبري في "تفسيره" ١٥/ ٢٦٤ ونسبه إلى عمرو البكالي، وكذلك ابن كثير ٣/ ١٠١، "والجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٣.
(٧) قوله: (به)، ساقط من الأصل ومثبت في بقية النسخ.
(٨) "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٤٦٨، "الدر المنثور" ٤/ ٤١٤، "أضواء البيان" ٤/ ١٢٧.
(٩) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢.
(١٠) "معالم التنزيل" ٣/ ١٠١، "أضواء البيان" ٤/ ١٢٨، "تهذيب اللغة" (وبق) ٤/ ٣٨٢٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢.

إلى الفريقين من المؤمنين والكافرين، وليس يعرف للموبق بمعنى الحاجز اشتقاق. وقال ابن عباس في رواية الوالبي: (مهلكا) (١). وهو قول قتادة، والضحاك، وابن زيد، والسدي (٢). وجميع أهل المعاني (٣).
قال الفراء: (يقول: جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا، أي: مهلكا لهم في الآخرة) (٤). وعلى هذا ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ينتصب انتصاب المفعول به؛ لأنه جعل البين بمعنى التواصل، فلا ينتصب انتصاب، والكناية تعود على المشركين فقط (٥).
وقال أبو إسحاق: (أي جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم أي: يهلكهم) (٦). والبين على هذا ظرف، والموبق على القولين في مصدر، كأنه قيل: جعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكًا لهم في الآخرة. والتأويل: سبب هلاك. هذا تقدير قول الفراء. وعلى قول أبي إسحاق كأنه قيل: جعلنا بينهم هلاكًا. يعني: عذابًا يهلكهم. ونص الضحاك على لفظ الهلاك فقال في قوله: ﴿مَوْبِقًا﴾: (هلاكًا) (٧).
قال الفراء في "المصادر": (يقال: وَبِقَ، يَوبقُ، وَبَقاً، فهو وَبِق،
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "تفسير الصنعاني" ١/ ٣٤١، "معالم التنزيل" ٣/ ١٠١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٥، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٧، "تفسير المشكل من غريب القرآن" ٢/ ٢٦٨.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٧، "تهذيب اللغة" (وبق) ٤/ ٣٨٢٨.
(٥) "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٤٠٠.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٥.
(٧) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "معالم التنزيل" ٣/ ١٠١، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٦.

قال: وبنو عامر (١) يقولون: يابِق، وتميم (٢) تقول: يَبِق والمصدر واحد) (٣). وحكى الكسائي: (وَبَقَ، يَبِقُ، وُبُوقًا، فهو وابِق، قال: ولم أسمعها (٤).
وذكر الزجاج هذه اللغات كلها (٥).
وذُكِرَ في تفسير الموبق قولان آخران لا يدرى لهما أصل.
أحدهما: ما روي عن الحسن أنه قال: (جعلنا بينهم عداوة يوم القيامة) (٦). فقال بعض أهل المعاني في هذا: يعني عداوة مهلكة. وهذا بعيد.
والقول الآخر: ما قاله أبو عبيدة قال في تفسير الموبق: (أنه الموعد، واحتج بقول الشاعر (٧):
(٢) تميم: قبيلة كبيرة، قوية من العدنانية، منازلهم في نجد والبصرة، واليمامة، ويمتدون إلى الكوفة، ويمكن حصرهم اليوم في ثلاثة بطون: بطن حنظلة بن مالك ابن زيد بن مناة بن تميم، وبطن سعد بن زيد بن مناة بن تميم، وبطن عمر بن تميم. انظر: "نهاية الأرب" ١٧٧، "معجم قبائل العرب" ١/ ١٢٥، "اللباب في تهذيب الأنساب" ١/ ٢٢٢، "الأنساب" للسمعاني ١/ ٤٧٨.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٥، "لسان العرب" (وبق) ٨/ ٤٧٠٥.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٥، "تهذيب اللغة" (وبق) ٤/ ٣٨٢٨.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٥.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٦٤، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٣٥، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٦، "الكشاف" ٢/ ٣٩٤، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠١.
(٧) البيت لخفاف بن ندبة السلمي. شَرَوْرَى، والسِّتَار، وتِعَار: أسماء أماكن وجبال لبني سليم. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٦، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٢٨ (وبق)، "الأصمعيات" (١٥)، "لسان العرب" (وبق) ٨/ ٤٧٥٥.