
سورة الكهف١
مكية
وآياتها عشر ومائة
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (١) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا (٤) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (٥) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)شرح الكلمات:
الحمد لله: الحمد الوصف بالجميل، والله عَلَم على ذات الرب تعالى.
الكتاب: القرآن الكريم.
ولم يجعل له عوجاً: أي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانيه.
قيماً: أي ذا اعتدال لا إفراط فيه ولا تفريط في كل ما حواه ودعا إليه من التوحيد والعبادة والآداب والشرائع والأحكام.
بأساً شديداً: عذاباً ذا شدة وقسوة وسوء عذاب في الآخرة.

من لدنه: من عنده سبحانه وتعالى.
أجراً حسناًَ: أي الجنة إذ هي أجر المؤمنين العاملين بالصالحات.
كبرت كلمة: أي عظمت فريه وهي قولهم الملائكة بنات الله.
إن يقولون إلاّ كذباً: أي ما يقولون إلاّ كذباً بحتاً لا واقع له من الخارج.
باخع نفسك: قاتل نفسك كالمنتحر.
بهذا الحديث أسفاً: أي بالقرآن من أجل الأسف الذي هو الحزن الشديد.
معنى الآيات:
أخبر تعالى في فاتحة سورة الكهف١ بأنه المستحق للحمد، وأن الحمد لله وذكر موجب ذلك، وهو إنزاله على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكتاب الفخم العظيم وهو القرآن العظيم الكريم فقال: ﴿الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب﴾ وقوله تعالى: ﴿ولم يجعل له عوجاً٢﴾ أي ولم يجعل لذلك الكتاب العظيم عوجاً أي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانيه فهو كلام مستقيم محقق للأخذ به كل سعادة وكمال في الحياتين. وقوله ﴿قيماً﴾ أي معتدلاً خالياً من الإفراط والتفريط قيماً على الكتب السابقة مهيمناً عليها الحق فيها ما أحقه والباطل ما أبطله.
وقوله: ﴿لينذر بأساً شديداً من لدنه﴾ أي أنزل الكتاب الخالي من العوج القيم من أجل أن ينذر الظالمين من أهل الشرك والمعاصي عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة ينزل بهم من عند ربهم الذين كفروا به وأشركوا وعصوه وكذبوا رسوله وعصوه. ومن أجل أن يبشر بواسطته أيضاً ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي يخبرهم بما يسرهم ويفرح قلوبهم وهو أن لهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وقوله تعالى: ﴿وينذر﴾ بصورة خاصة أولئك المتقولين على الله المفترين عليه بنسبتهم الولد إليه فقالوا: ﴿اتخذ الله ولداً﴾ وهم اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب الذين قالوا إن الملائكة بنات الله! هذا ما دل عليه قوله تعالى: ﴿وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً﴾ وهو قول تَوَارَثُوهُ لا علم لأحد منهم به، وإنما هو مجرد كذب يتناقلونه
٢ العوج: ضد الاستقامة وهو الانحراف في الذوات والمعاني وتكسر عينه وتقع، وقيل: الكسر في المعاني والفتح في الذّوات.

بينهم لذا قبح الله قولهم هذا وعجّب منه العقلاء، فقال: ﴿كبرت كلمة تخرج من أفواههم﴾ أي عظم قولهم ﴿اتخذ الله ولداً﴾ كلمة قالوها تخرج من أفواههم لا غير إذ لا واقع لها أبداً، وقرر الإنكار عليهم فقال: ﴿إن يقولون إلاّ كذباً﴾ أي ما يقولون إلاّ الكذب البحت الذي لا يعتمد على شيء من الصحة البتة. وقوله: ﴿فلعلك باخع١ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً﴾ يعاتب الله تعالى رسوله ويخفف عنه ما يجده في نفسه من الحزن على عدم إيمان قومه واشتدادهم في الكفر والتكذيب وما يقترحونه عليه من الآيات أي فلعلك يا رسولنا قاتل نفسك على إثر رفض قومك للإيمان بك وبكتابك وما جئت به من الهدى، حزناً عليهم، وجزعاً منهم، فلا تفعل واصبر لحكم ربك فإنه منجز وعده لك بالنصر على قومك المكذبين لك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب حمد الله تعالى على آلائه وعظيم نعمه.
٢- لا يحمد إلاّ من له ما يقتضي حمده، وإلاّ كان المدح كذباً وزوراً.
٣- عظم شأن القرآن الكريم وسلامته من الإفراط والتفريط والانحراف في كل ما جاء به.
٤- بيان مهمة القرآن وهي البشارة لأهل الإيمان والإنذار لأهل الشرك والكفران.
٥- التنديد بالكذب على الله ونسبة ما لا يليق بجلاله وكماله إليه كالولد ونحوه.
٦- تحريم الانتحار وقتل النفس من الحزن أو الخوف ونحوه من الغضب والحرمان.
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه
بشيء نحته عن يديه المقادر
وفسّر ابن عباس رضي الله عنهما الباخع بقاتل نفسه من شدّة الحزن.