آيات من القرآن الكريم

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

بل ما تذكر من نوار وقد نأت وتقطعت أسبابها ورمامها
لم يرد ببل هاهنا إبطال ما سبق، وإنما أراد الإذان بترك الكلام الأول، كما تقول: دع ذا، واترك ذا، عند تمام ما يتكلم به والانتقال إلى غيره، كما قال امرئ القيس (١):
فدع ذا وسلِّ الهمَّ عنك بجسرةٍ
٤٩ - قوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ قال المفسرون: (يعني كتب أعمال الخلق) (٢). و ﴿الْكِتَابُ﴾ اسم الجنس، فيعمُّ عند الإطلاق. قال أبو إسحاق: (معناه ووضع كتاب كل امرئ بيمينه أو شماله) (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ﴾ قال ابن عباس: (يريد المشركين. ﴿مُشْفِقِينَ﴾ قال: خائفين) (٤). ومعنى الإشفاق في اللغة: الخوف والحذر من وقوع المكروه، ويقال: شَفَقَ بمعنى أَشْفَقَ شفقةً، وإشْفاقًا فهو مشفق وشَفِق، وأصل الحرف من الرقة (٥). وسنذكر ذلك مستقصى عند قوله: {فَلَا
= والرِّمام: الحبال الضعاف التي أخلقت وكادت تتقطع. انظر: "ديوانه" ص ١٦٦.
(١) هذا صدر بيت لامرئ القيس. وعجزه:
ذمولٍ إذا صام النَّهار وهجرا
جَسْرَة: يقال ناقة جسرة طويلة ضخمة، والجسر العظيم من الإبل. ذَمُول: السريعة.
انظر: "ديوانه" ص ٦٣، "تهذيب اللغة" (صام) ٢/ ١٩٦٥، "لسان العرب" (هجر) ٤٦١٩.
(٢) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٨، "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٧، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٢، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٩٦.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٣.
(٤) ذكرته كتب التفسير بلا نسبة. انظر: "جامع البيان" ٢٥٨/ ١٥، "البغوي" ٣/ ١٧٧ بدون نسبة، "القرطبي" ١٠/ ٤١٨، "الرازي" ١١/ ١٣٤، "أضواء البيان" ٤/ ٢٤٩.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (شفق) ٢/ ١٩٠٠، "القاموس المحيط" (شفق) ٣/ ٨٩٧، "لسان العرب" (شفق) ٤/ ٢٢٩٢.

صفحة رقم 42

أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق: ١٦] إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿مِمَّا فِيهِ﴾ أي: من الأعمال السيئة.
﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا﴾ لوقوعهم في الهلكة يدعون بالويل على أنفسم: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً﴾ أي: لا تاركًا صغيرة، فقوله: ﴿لَا يُغَادِرُ﴾ في موضع الحال، قال ابن عباس في رواية عكرمة: (الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك) (١).
ونحو هذا روى عنه الذبال بن عمرو الأوزاعي فيما كان يعظ به المنصور (٢) (٣). ونحو هذا روي عن الحسن عن ابن عباس، وهو قول ابن أبي ليلى (٤)، والكلبي (٥). وقال في رواية عطاء: ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً﴾ يريد:

(١) "معالم التنزيل" ٥/ ١٧٧، "الكشاف" ٢/ ٣٩٣، "القرطبي" ١٠/ ٤١٩، "الدر المنثور" ٤/ ٤١١.
(٢) عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، أبو جعفر المنصور، ثاني خلفاء بني العباس، وأول من عني بالعلوم من ملوك العرب، وكان عارفًا بالفقه والأدب محبًا للعلم والعلماء، ولي الخلافة بعد وفاه أخيه السفاح سنة ١٣٦ هـ، وعرف بالشجاعة والحزم، توفي ببئر ميمون من أرض الحجاز محرمًا بالحج، ودفن في الحجون بمكة سنة ١٥٨ هـ، ودامت خلافته ٢٢ عامًا. انظر: "تاريخ بغداد" ١٠/ ٥٣، "الجرح والتعديل" ٥/ ١٥٩، "تاريخ الطبري" ٩/ ٢٩٢، "الأعلام" ٤/ ١١٧.
(٣) "جامع البيان" ١٥/ ٢٥٨.
(٤) عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، تابعي ثقة، قرأ القرآن على أبيه، وقرأ عليه أخوه محمد بن عبد الرحمن، وأبوهما ممن قرأ على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وله رواية قليلة في "السنن". انظر: "التاريخ الكبير" ٦/ ٣٩٠، "الكاشف" ٢/ ٣٦٨، "غاية النهاية" ١/ ٦٠٩، "تهذيب التهذيب" ٨/ ٢١٩، "معرفة القراء الكبار" ١/ ٦٦.
(٥) "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٢٦، "النكت والعيون" ٣/ ٣١٢، "القرطبي" ١٠/ ٤١٩.

صفحة رقم 43
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية