قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاصْبِرْ) : هُوَ مُتَعَدٍّ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ: احْبِسْ، وَ «بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» : قَدْ ذُكِرُوا فِي الْأَنْعَامِ.
(وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْعَيْنَيْنِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: تُعَدِّ عَيْنَيْكَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ ; أَيْ لَا تَصْرِفْهَا.
(أَغْفَلْنَا) : الْجُمْهُورُ عَلَى إِسْكَانِ اللَّامِ، وَ «قَلْبَهُ» بِالنَّصْبِ ; أَيْ أَغْفَلْنَاهُ عُقُوبَةً لَهُ، أَوْ وَجَدْنَاهُ غَافِلًا.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ اللَّامِ، «وَقَلْبُهُ» بِالرَّفْعِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: وَجَدَنَا قَلْبُهُ مُعْرِضِينَ عَنْهُ. وَالثَّانِي: أَهْمَلَ أَمْرَنَا عَنْ تَذَكُّرِنَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَشْوِي الْوُجُوهَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَاءٍ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمُهْلِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «الْكَافِ» أَوْ فِي الْجَارِّ.
وَ (سَاءَتْ) : أَيْ سَاءَتِ النَّارُ.
(مُرْتَفَقًا) : أَيْ مُتَّكَأً، أَوْ مَعْنَاهُ: الْمَنْزِلُ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) : فِي خَبَرِ إِنَّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: «أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ» وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ مُسَدَّدٌ. وَالثَّانِي: تَقْدِيرُهُ: لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا مِنْهُمْ، فَحَذَفَ الْعَائِدَ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (مَنْ أَحْسَنَ) : عَامٌّ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ، وَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ ضَمِيرٍ كَمَا أَغْنَى دُخُولُ زَيْدٍ تَحْتَ الرَّجُلِ فِي بَابِ نِعْمَ عَنْ ضَمِيرٍ - يَعُودُ عَلَيْهِ.
وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَدْ جُعِلَ خَبَرُ «إِنَّ» الْجُمْلَةَ الَّتِي فِيهَا إِنَّ.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ أَسَاوِرَ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مِنْ» زَائِدَةً عَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ) [الْإِنْسَانِ: ٢١].
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ زَائِدَةٍ ; أَيْ شَيْئًا مِنْ أَسَاوِرَ ; فَتَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَوْ لِلتَّبْعِيضِ.
وَ (مِنْ ذَهَبٍ) :«مِنْ» فِيهِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَوْ لِلتَّبْعِيضِ ; وَمَوْضِعُهَا جَرٌّ نَعْتًا لِأَسَاوِرَ ; وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِيُحَلَّوْنَ.
وَأَسَاوِرُ: جَمْعُ أَسْوِرَةٍ، وَأَسْوِرَةٌ جَمْعُ سِوَارٍ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ أُسْوَارٍ.
(مُتَّكِئِينَ) : حَالٌ إِمَّا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَحْتِهِمْ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُحَلَّوْنَ، أَوْ يَلْبَسُونَ.
وَالسُّنْدُسُ: جَمْعُ سُنْدُسَةٍ. وَإِسْتَبْرَقٌ: جَمْعُ إِسْتَبْرَقَةٍ، وَقِيلَ: هُمَا جِنْسَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (٣٣) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (٣٤))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَثَلًا رَجُلَيْنِ) : التَّقْدِيرُ: مَثَلًا مِثْلَ رَجُلَيْنِ.
وَ (جَعَلْنَا) : تَفْسِيرُ الْمَثَلِ، فَلَا مَوْضِعَ لَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ نَصْبًا نَعْتًا لِرَجُلَيْنِ ; كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِرَجُلَيْنِ جُعِلَ لِأَحَدِهِمَا جَنَّةٌ. (