
علي: العدد المضاف إِلى الآحاد قد جاء مضافاً إِلى الجميع، قال الشاعر:
ومَا زَوَّدُوني غير سحق عمامة | وخمسمئ منها قَسِيٌّ وزائفُ |
سِنِينَ قال الفراء وأبو عبيدة والكسائي والزجاج: التقدير: سنين ثلاثمائة. قال ابن قتيبة: المعنى:
أنها لم تكن شهوراً ولا أيّاما، إنما كانت سنين. وقال أبو علي الفارسي: «سنين» بدل من قوله:
«ثلاثمائة». قال الضحاك: نزلت وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقالوا: أياماً أو شهوراً أو سنين؟
فنزلت: «سنين» فلذلك قال: «سنين»، ولم يقل: سنة.
قوله تعالى: وَازْدَادُوا تِسْعاً يعني: تسع سنين، فاستغنى عن ذِكْر السنين بما تقدَّم من ذِكْرها. ثم أعلمَ أنه أعلمُ بقدْر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فيها، فقال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا قال ابن السائب: قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة، فقد عرفناها، وأما التسع، فلا عِلْم لنا بها «٣»، فنزل قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وقيل: إِن أهل الكتاب قالوا: إِن للفتية منذ دخلوا الكهف إِلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فردّ عليهم ذلك، وقال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا بعد أن قبض أرواحهم إِلى يومكم هذا، لا يعلم بذلك غيرُ الله. وقيل: إِنما زاد التسع، لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ فيه قولان: أحدهما: أنه على مذهب التعجب، فالمعنى: ما أسمع الله وأبصره، أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم، هذا قول الزجاج، وذكر أنه إِجماع العلماء. والثاني: أنه في معنى الأمر، فالمعنى: أَبصِر بدين الله وأسمع، أي: أبصر بهدى الله واسمع، فترجع الهاء إِما على الهدى، وإِما على الله عزّ وجلّ، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى: ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ أي: ليس لأهل السموات والأرض من دون الله من ناصر، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ولا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم به، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه فيكون شريكاً لله عزّ وجلّ في حكمه. وقرأ ابن عامر: «ولا تُشرِكْ» جزماً بالتاء، والمعنى: لا تشرك أيها الإِنسان.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨)
(٢) قال الطبري رحمه الله ٨/ ٢١١: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله عز ذكره: ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودا إلى أن بعثهم الله، ليتساءلوا بينهم وإلى أن أعثر عليهم من أعثر ثلاث مائة سنين وتسع سنين ثم قال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلّم: قل يا محمد: الله أعلم بما لبثوا بعد أن قبض الله أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم بذلك غير الله، وغير من أعلمه الله ذلك. وهو اختيار ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٠٣.
(٣) عزاه المصنف لابن السائب، وهو الكلبي، وهو ساقط الرواية.

قوله تعالى: وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ في هذه التلاوة قولان: أحدهما: أنها بمعنى القراءة. والثاني:
بمعنى الاتِّباع. فيكون المعنى على الأول: اقرأ القرآن، وعلى الثاني: اتَّبِعْه واعمل به. وقد شرحنا في سورة الأنعام معنى لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ «١». قوله تعالى: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً قال مجاهد، والفراء: مَلجَأً. وقال الزجاج: مَعْدِلاً عن أمره ونهيه. وقال غيرهم: موضعاً تميل إِليه في الالتجاء.
قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ سبب نزولها:
(٩٣١) أنّ المؤلّفة قلوبهم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وذووهم، فقالوا: يا رسول الله: لو أنك جلست في صدر المجلس، ونحَّيت هؤلاء عنّا، - يعنون سليمان وأبا ذَرٍّ وفقراءَ المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف- جلسنا إِليك، وأخذنا عنك، فنزلت هذه الآية إِلى قوله: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلتمسهم، حتى إِذا أصابهم في مؤخَّر المسجد يذكرون الله، قال: «الحمد لله الذي لم يُمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمَّتي، معكم المحيا ومعكم الممات». هذا قول سلمان الفارسي.
ومعنى قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أي: احبسها معهم على أداء الصلوات بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ. وقد فسّرنا هذه الآية في سورة الأنعام «٢» إِلى قوله تعالى: وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ أي: لا تصرف بصرك إِلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف وكان عليه السلام حريصاً على إِيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم، ولم يكن مريداً لزينة الدنيا قطُّ، فأُمر أن يجعل إِقباله على فقراء المؤمنين. قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا سبب نزولها أن أُمية بن خلف الجمحي، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إِلى طرد الفقراء عنه، وتقريبِ صناديد أهل مكة، فنزلت هذه الآية «٣»، رواه الضحاك عن ابن عباس.
وفي رواية أخرى عنه أنه قال: هو عيينة وأشباهه. ومعنى «أغفلنا قلبه» : جعلناه غافلا. وقرأ أبو مجلز:
«ومن أغفلَنا» بفتح اللام، ورفع باء القلب. «عن ذكرنا» : أي عن التّوحيد والقرآن والإسلام، وَاتَّبَعَ هَواهُ
منكر الحديث. والمتن باطل، فإن السورة مكية، وإسلام سلمان مدني، وكذا عيينة بن حصن وفد في المدينة.
والمرفوع منه لا بأس به. أخرجه الطبري ٢٣٠٢٠ عن قتادة مرسلا فهو ضعيف وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ١/ ٣٥١- ٣٥٢ من حديث أبي سعيد الخدري وإسناده ضعيف، فيه العلاء بن بشير، وهو مجهول، ومع ذلك ليس فيه ذكر سلمان وعيينة ولا نزول الآية. عن أبي سعيد الخدري، قال: كنت في عصابة من المهاجرين جالسا معهم، وإن بعضهم يستتر ببعض من العري، وقارئ لنا يقرأ علينا، فكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم نفسي» كما في «الدلائل».
__________
(١) سورة الأنعام: ١١٥.
(٢) سورة الأنعام: ٥٢.
(٣) ضعيف جدا. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٦٠١ من طريق جويبر بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس، وجويبر متروك، والضحاك لم يلق ابن عباس، فالخبر واه بمرة.