آيات من القرآن الكريم

إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

فبعث الله أهل الكهف ليعلموا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث والجزاء حَقٌّ وأن القيامة لا شك فيها، هذا قول الأكثرين. والثاني: أنهم أهل الكهف، بعثناهم ليرَوْا بعد علمهم أن وعد الله حق، ذكره الماوردي. قوله تعالى: إِذْ يَتَنازَعُونَ يعني: أهل ذلك الزمان. قال ابن الأنباري: المعنى: إِذ كانوا يتنازعون، ويجوز أن يكون المعنى: إِذ تنازعوا. وفي ما تنازعوا فيه خمسة أقوال: أحدها: أنهم تنازعوا في البنيان، والمسجد. فقال المسلمون: نبني عليهم مسجداً، لأنهم على ديننا وقال المشركون: نبني عليهم بنياناً، لأنهم من أهل سُنَّتنا، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم تنازعوا في البعث، فقال المسلمون:
تُبعث الأجساد والأرواح، وقال بعضهم: تُبعث الأرواح دون الأجساد، فأراهم الله تعالى بعث الأرواح والأجساد ببعثه أهل الكهف، قاله عكرمة. والثالث: أنهم تنازعوا ما يصنعون بالفتية، قاله مقاتل.
والرابع: أنهم تنازعوا في قدْر مكثهم. والخامس: تنازعوا في عددهم، ذكرهما الثعلبي. قوله تعالى:
ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً أي: استروهم من الناس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان. وفي القائلين لَهذا قولان:
أحدهما: أنهم مشركو ذلك الزمان، وقد ذكرناه عن ابن عباس. والثاني: أنهم الذين أسلموا حين رأوا أهل الكهف، قاله ابن السائب. قوله تعالى: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ قال ابن قتيبة: يعني المُطاعين والرؤساء، قال المفسرون: وهم الملك وأصحابه المؤمنين اتخذوا عليهم مسجداً. قال سعيد بن جبير:
بنى عليهم الملك بيعة.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤)
قوله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ قال الزجاج: ثَلاثَةٌ مرفوع بخبر الابتداء، المعنى: سيقول الذين يتنازعون في أمرهم هم ثلاثةٌ. وفي هؤلاء القائلين قولان:
(٩٢٩) أحدهما: أنهم نصارى نجران، ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عِدَّة أهل الكهف، فقالت الملكيَّة: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وقالت اليعقوبية: هم خمسة سادسهم كلبهم، وقالت النسطورية: هم سبعة وثامنهم كلبهم، فنزلت هذه الآية: رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنهم أهل مدينتهم قبل ظهورهم عليهم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: رَجْماً بِالْغَيْبِ أي: ظنّاً غير يقين، قال زهير:

ومَا الحَرْبُ إِلاَّ ما علمْتُمْ وَذُقْتُمُ ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
فأما دخول الواو في قوله: وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ولم تدخل فيما قبل هذا، ففيه أربعة أقوال:
أحدها: أن دخولها وخروجها واحد، قاله الزجاج. والثاني: أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على
باطل. عزاه المصنف للضحاك عن ابن عباس، والضحاك لم يلق ابن عباس، ثم إن الراوي عن الضحاك على الدوام إنما هو جويبر ذاك المتروك.

صفحة رقم 74

أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين، فأعلم بذكرها ها هنا أنها مرادة فيما قبل، وإِنما حذفت تخفيفاً، ذكره أبو نصر في «شرح اللمع». والثالث: أن دخولها يدل على انقطاع القصة، وأن الكلام قد تمَّ، ذكره الزجاج أيضاً، وهو مذهب مقاتل بن سليمان، وإن الواو تدل على تمام الكلام قبلها، واستئناف ما بعدها قال الثعلبي: فهذه واو الحكم والتحقيق، كأن الله تعالى حكى اختلافهم، فتم الكلام عند قوله:
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ، ثم حكم أن ثامنهم كلبهم. وجاء في بعض التفسير أن المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى: هم سبعة، فحقَّق الله قول المسلمين. والرابع: أن العرب تعطف بالواو على السبعة، فيقولون: ستة، سبعة، وثمانية، لأن العقد عندهم سبعة، كقوله: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ... إِلى أن قال في الصفة الثامنة: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ «١»، وقوله في صفة الجنّة: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وفي صفة النّار: فُتِحَتْ أَبْوابُها «٢»، لأن أبواب النار سبعة، وأبواب الجنة ثمانية، ذكر هذا المعنى أبو إِسحاق الثعلبي.
وقد اختلف العلماء في عددهم على قولين: أحدهما: أنهم كانوا سبعة، قاله ابن عباس. والثاني:
ثمانية، قاله ابن جريج، وابن إِسحاق. وقال ابن الأنباري: وقيل: معنى قوله: وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ:
صاحب كلبهم، كما يقال: السخاء حاتم، والشِّعر زهير، أي: السخاء سخاء حاتم، والشِّعر شِعر زهير.
فأمّا أسماؤهم «٣»، فقال هُشَيْم: مكسلمينا، ويمليخا، وطَرينوس، وسَدينوس، وسَرينوس، ونَواسس، ويرانوس، وفي التفسير خلاف في أسمائهم فلم أُطل به.
واختلفوا في كلبهم لمن كان على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كان لراع مَرّوا به فتبعهم الراعي والكلب، قاله ابن عباس. والثاني: أنه كان لهم يتصيدون عليه، قاله عبيد بن عمير. والثالث: أنهم مَرّوا بكلب فتبعهم، فطردوه، فعاد، ففعلوا ذلك به مراراً، فقال لهم الكلب: ما تريدون مني؟! لا تخشوا جانبي أنا أُحِبُّ أحبّاء الله تعالى، فناموا حتى أحرسَكم. قاله كعب الأحبار. وفي اسم كلبهم أربعة أقوال: أحدها: قطمير، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: إن اسمه الرقيم، وقد ذكرناه عن سعيد بن جبير. والثالث: قطمور، قاله عبد الله بن كثير. والرابع: حُمران، قاله شعيب الجبائي «٤».
وفي صفته ثلاثة أقوال: أحدها: أحمر، حكاه الثوري. والثاني: أصفر، حكاه ابن إِسحاق. والثالث:
أحمر الرأس، أسود الظهر، أبيض البطن، أبلق الذنب، ذكره ابن السائب.
قوله تعالى: رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ حرك الياء ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.
قوله تعالى: ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ أي: ما يعلم عددهم إِلا قليل من الناس. قال عطاء يعني بالقليل: هم سبعة، إِن الله عدَّهم حتى انتهى إِلى السبعة.
قوله تعالى: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً قال ابن عباس، وقتادة: لا تُمارِ أحداً، حسبك ما قصصتُ عليكَ من أمرهم. وقال ابن زيد: لا تُمارِ في عِدَّتهم إِلا مراءً ظاهراً أن تقول لهم: ليس كما

(١) سورة التوبة: ١١٢.
(٢) سورة الزمر: ٧١- ٧٣.
(٣) الوقوف على أسمائهم، والكشف عن صفاتهم وأحوالهم زيادة على ما ذكر القرآن إنما هو مجرد تخمين وكهانة، وليس فيه كبير فائدة.
(٤) قال في «الميزان» ٢/ ٢٧٨: شعيب الجبائي، أخباري متروك، قاله الأزدي، وجبأ من أعمال الجند باليمن.

صفحة رقم 75

تقولون، ليس كما تعلمون. وقيل: «إِلا مراءً ظاهراً» بحجة واضحة، حكاه الماوردي. والمراء في اللغة: الجدال يقال: مارى يُماري مُماراة ومِراءً، أي: جادَل. قال ابن الأنباري: معنى الآية: لا تجادل إِلا جدال متيقِّنٍ عالِم بحقيقة الخبر، إذ الله تعالى ألقى إليك ما لا يشوبه باطل. وتفسير المراء في اللغة: استخراج غصب المجادل، من قولهم: مَرَيْتُ الشاة: إِذا استخرجت لبنها. قوله تعالى: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ أي: في أصحاب الكهف، (منهم) قال ابن عباس: يعني: من أهل الكتاب. قال الفراء:
أتاه فريقان من النصارى، نسطوري، ويعقوبي، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلّم عن عددهم، فنُهي عن ذلك.
قوله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.
(٩٣٠) سبب نزولها أن قريشا سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلّم عن ذي القرنين، وعن الرُّوح، وعن أصحاب الكهف، فقال: غداً أخبركم بذلك، ولم يقل: إِن شاء الله، فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوماً لتركه الاستثناء، فشقَّ ذلك عليه، ثم نزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. ومعنى الكلام: ولا تقولن لشيء إِني فاعل ذلك غداً، إِلا أن تقول: إِن شاء الله، فحذف القول.
قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قال ابن الأنباري: معناه: واذكر ربَّكَ بعد تقضِّي النسيان، كما تقول: اذكر لعبد الله- إِذا صلّى- حاجتك، أي: بعد انقضاء الصلاة.
وللمفسرين في معنى الآية ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أن المعنى: إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت،

عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، ورواية أبي صالح هو الكلبي، وهو ممن يضع الحديث، فالخبر من هذا الوجه ليس بشيء. وذكره الواحدي في «الوسيط» ٣/ ١٤٣ نقلا عن المفسرين. وذكره ابن هشام في «السيرة» ١/ ٢٣٥- ٢٣٨- ٢٤٤ عن ابن إسحاق مطوّلا، وهذا معضل، فهو ضعيف. وأخرجه الطبري ٢٢٨٦١ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٩- ٢٧١ كلاهما عن ابن إسحاق حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، فذكره بنحو ما ذكره ابن هشام، وإسناده ضعيف لجهالة شيخ ابن إسحاق وليس فيه سبب نزول هذه الآية. ولبعضه شواهد، وبعضه الآخر غريب.
وأما سؤال قريش النبيّ صلى الله عليه وسلّم فأخرجه الترمذي ٣١٤٠ وأحمد ١/ ٢٥٥ وابن حبان ٩٩ والحاكم ٢/ ٥٣١ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٩ وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب اه. عن عكرمة عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، قال: فسألوه عن الروح، فأنزل الله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قالوا: أوتينا علما كثيرا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا، فأنزلت قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ إلى آخر الآية. لفظ الترمذي. وليس في الحديث سبب نزول هذه الآية. انظر «أحكام القرآن» ١٤٦٠ و ١٤٦١ بتخريجنا.
__________
(١) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٠٢ في تفسير هذه الآية: هذا إرشاد من الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلّم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يردّ ذلك إلى مشيئة الله عز وجل علّام الغيوب.
وقوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قيل معناه: إذا نسيت الاستثناء، فاستثن عند ذكرك له، وعن ابن عباس في الرجل يحلف؟ قال: له أن يستثني ولو إلى سنة. ومعنى قول ابن عباس إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه «إن شاء الله» وذكر ولو بعد سنة، ولو بعد الحنث فالسّنة أن يقول ذلك ليكون آتيا بسنّة الاستثناء. ولا يكون ذلك رافعا لحنث اليمين ومسقطا للكفارة، فأما الكفارة فله لازمة بالحنث بكل حال، إلا أن يكون استثناؤه موصولا بالحلف. قاله ابن جرير وهو الصحيح والأليق بحمل كلام ابن عباس عليه، والله أعلم. اه. [.....]

صفحة رقم 76
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية