
ثم دخل أريوس فرأى تابوتا من نحاس مخترما بخاتم. وبداخله لوحان مكتوب عليهما قصة هؤلاء الفتية، وكيف هربوا من دقيانوس حرصا على عقيدتهم ودينهم، فسدّ عليهم بالحجارة.
ولما رأى أريوس ومن معه هذا القصص خرّوا لله سجدا وأرسلوا بريدا إلى ملكهم أن عجّل واحضر لترى آية الله فى أمر فتية بعثوا بعد أن ناموا ثلاثمائة سنة.
ثم سار الملك ومعه ركب من حاشيته وأهل مدينته حتى أتوا مدينة أفسوس وكان يوما مشهودا، وحين رأى الفتية خر ساجدا لله ثم اعتنقهم وبكى وهم لا يزالون يسبّحون، ثم قال الفتية له: أيها الملك نستودعك الله ونعيذك من شر الإنس والجن ثم رجعوا إلى مضاجعهم وقبضت أرواحهم، فأمر الملك أن يجعل كل منهم فى تابوت من ذهب، وحين جنّ الليل ونام رآهم فى منامه يقولون له: اتركنا كما كنا فى الكهف ننام على التراب حتى يوم البعث، فأمر الملك أن يوضعوا فى تابوت من ساج وألا يدخل عليهم أجد بعد ذلك، وأن يبنى على باب الكهف مسجد يصلى فيه الناس، وجعل لهم ذلك اليوم عيدا عظيما. ذلك هو القصص الذي جعله النصارى دليلا على البعث أما القرآن الكريم فإنه يقول إن آياتي على البعث وإعادة الأرواح بعد الموت ليست مقصورة على هذا القصص وحده، فآياتى عليه لا تعدّ ولا تحصى، فاقرءوا صحائف هذا الوجود ولا تقصروا أمركم على صحائف أهل الكهف والرقيم، واجعلوا أنظاركم تتجه إلى ما حواه الكون لا إلى ما كتب فى القصص والحكايات، وإن كانت فيها الدلائل والآيات.
إجمال القرآن لقصص أهل الكهف
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩ الى ١٢]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢)

تفسير المفردات
أم: حرف يدل على الانتقال من كلام إلى آخر، وهو بمعنى بل وهمزة الاستفهام أي بل أحسبت، والخطاب فى الظاهر للنبى عليه الصلاة والسلام، والمراد غيره كما سبق نظيره، والكهف: النقب المتسع فى الجبل، فإن لم يكن متسعا فهو غار، والرقيم: لوح حجرى رقمت فيه أسماؤهم كالألواح الحجرية المصرية التي يذكر فيها تاريخ الحوادث وتراجم العظماء، أوى إلى المكان: اتخذه مأوى ومكانا له، والفتية واحدهم فتى وهو الشاب الحدث، وقد كانوا من أبناء أشراف الروم وعظمائهم، لهم أطواق وأسورة من الذهب، وهيىء: أي يسر، والرشد (بفتحتين وضم فسكون) الهداية إلى الطريق الموصل للمطلوب، فضربنا على آذانهم أي ضربنا عليها حجابا يمنع السماع، كما يقال بنى على امرأته، يريدون بنى عليها قبة، والمراد أنمناهم نومة لا تنبههم الأصوات الموقظة.
عددا: أي ذوات عدد والمراد التكثير، لأن القليل لا يحتاج إلى العدّ غالبا، بعثناهم:
أي أيقظناهم وأثرناهم من نومهم، والحزبين: هما الحزب القائل لبثنا يوما أو بعض يوم، والحزب القائل ربكم أعلم بما لبثتم، وأحصى: أي أضبط لاوقات لبثهم، والأمد:
مدة لها حد وغاية.
الإيضاح
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) أي لا تحسب أن قصة أصحاب الكهف والرقيم المذكورة فى الكتب السالفة حين استمروا أحياء أمدا طويلا- عجيبة بالإضافة إلى ما جعلناه على ظهر الأرض من الزينة فليست هى بالعجب وحدها من بين آياتنا بل زينة الأرض وعجائبها أبدع وأعجب من قصة

أصحاب الكهف فإذا وقف علماء الأديان الأخرى لدى أمثالها دهشين حائرين، فأنا أدعوك وأمتك إلى ما هو أعظم منها وهو النظر فى الكون وعجائبه، من خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب، إلى نحو أولئك من الآيات الدالة على قدرة الله، وأنه يفعل ما يشاء لا معقّب لحكمه.
أما القصص وغرائبها فلا تكفى للوصول إلى أبواب الخير والسعادة التي يطمح إليها الإنسان، ويجعلها مثله العليا، ليفوز بخيرى الدنيا والآخرة، فابحث عما نقش فى صحائف الأكوان، لا فى صحائف الكهوف والغيران.
قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصتهم.
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) أي اذكر أيها الرسول حين أوى أولئك الفتية إلى الكهف هربا بدينهم من أن يفتنهم عباد الأصنام والأوثان، وقالوا إذ ذاك: ربنا يسر لنا بما نبتغى من رضاك وطاعتك رشدا من أمرنا، وسدادا إلى العمل الذي نحب، وارزقنا المغفرة والأمن من الأعداء.
(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) أي فضربنا على آذانهم حجابا يمنعهم السماع، وأنمناهم نوما لا ينبههم فيه مختلف الأصوات فى الكهف سنين كثيرة معدودة.
(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) أي ثم أيقظناهم من رقدتهم لنعلم أي الطائفتين المتنازعتين فى مدة لبثهم، أضبط فى الإحصاء والعد لمدة هذا اللبث فى الكهف.
وخلاصة ذلك- إنا بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبر حالهم، لنرى أيهم أحصى لما لبعثوا أمدا، فيظهر لهم عجزهم، ويفوّضوا ذلك إلى العليم الخبير، ويتعرّفوا ما صنع الله